14 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن المقال السابق قد لامس واقع بعض القراء والمهتمين بعلم الإدارة، حيث وردني العديد من الردود والتعليقات عبر وسائل التواصل المختلفة، أحد تلك التعليقات أرسلها رئيس تنفيذي سابق لإحدى شركات الاستثمار العقاري المعروفة، قال لي بالحرف الواحد «لقد كنت أعتقد أنني أنا قائد الشركة فإذا بي أكتشف بعد قراءة مقالك الأخير أنني مدير ولست قائدًا»، وقال آخر: لقد أثار المقال فضولي للتعرف أكثر على الحوار الذي تم مع المشاركين حتى توصلتم لفهم مشترك عن القيادة والإدارة من خلال عرض صورة الباخرة السياحية، ومن تلك التعليقات أيضًا من أشكل عليه التفريق بين الرسالة والرؤية، وللإجابة على تلك التساؤلات وغيرها من المهم أن نسرد بعض التعريفات حتى نصل لفهم مشترك للتفريق بين القيادة والإدارة من واقع المهارات المطلوبة لكل منهما. ولنبدأ بالرؤية والتي تعرف بأنها «الصورة الذهنية للمستقبل»، ويركز بيان الرؤية على الأهداف والتطلعات، وهي تصف كيف سيبدو مستقبل المؤسسة إذا تحققت الرؤية على الوجه المطلوب، وهي ثابتة ولا تتغير بتغير إستراتيجية المؤسسة، في حين تحدد رسالة المؤسسة في الغالب العملاء والأعمال أو المنتجات والخدمات التي تقدمها، فهي توفر معلومات مفصلة حول ما تفعله المؤسسة، وكيف تفعل ذلك، ومن تفعل ذلك من أجله، وعلى عكس بيان الرؤية فهي قصيرة المدى بطبيعتها، وعن أهميتها يقول ستيفن كوفي «إذا لم تحدد أهدافك بناءً على بيان رسالتك فقد تتسلق سلم النجاح لتدرك عندما تصل إلى القمة أنك في المبنى الخطأ». ولكن، من المسؤول عن وضع الرؤية والرسالة ومن ثم الخطة الإستراتيجية؟، إن المسؤول الحصري عن ذلك هو مالك المؤسسة «المؤسس» سواء كان فردا أو عدة أفراد، أو من ينوب عنهم، وغالبًا ما يتمثل ذلك في مجلس إدارة المؤسسة الذي قد يستعين ببعض الخبرات لصياغة الرؤية والرسالة والأهداف الإستراتيجية على الوجه الذي يتوافق مع رغبات وتطلعات المؤسسين أو الملّاك، ومن ثم يشرف المجلس على عمليات الجهاز التنفيذي ويتأكد أنها متسقة مع رؤية ورسالة المؤسسة، كما يقدم المساعدة والدعم للجهاز التنفيذي عند الحاجة، وهنا يبرز دور رئيس مجلس الإدارة كقائد للمؤسسة. وعند اختيار الرئيس التنفيذي للمؤسسة يعكف مباشرة على وضع الخطة التنفيذية المناسبة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة والوصول بها إلى الرؤية المنشودة، ثم تعرض الخطة على مجلس الإدارة لإقرارها واعتماد الميزانيات والموارد اللازمة لتنفيذها، وليس خطأ أن نسمي الرئيس التنفيذي قائدًا، لكنه في الحقيقة يقود الجهاز التنفيذي، أما السياسات والتشريعات وإقرار الموازنات وجميع القرارات المتعلقة بمصير المؤسسة فهي من مسؤولية القيادة العليا المتمثلة في مجلس الإدارة. وكما ذكرت في مقالي السابق عن فوائد استخدام الاسلوب الوصفي في العرض التقديمي للمحاضرات والندوات، فقد تم استخدام صورة لباخرة سياحية وهي تغادر الميناء متجة لمحطة أخرى، وطرحت بعض الأسئلة على المشاركين للنقاش، منها سؤال عن قائد الباخرة ودوره، وعن مديرها ومسؤولياته، وسؤال عن رؤيتها، وعن الأهداف الإستراتيجية وتلك التشغيلية. لقد اتفق معظم المشاركين على الأجوبة التي توصلوا لها بأنفسهم عن تلك التساؤلات، فكان القائد هو قبطان الباخرة وهو المسؤول عن تحديد مسارها «رؤيتها» وإيصالها لوجهتها المنشودة، أما المدير فهو ذلك المسؤول عن إدارة العمليات الضرورية داخل الباخرة، ومنها الإشراف على فريق التشغيل والصيانة، وفريق خدمات غرف المسافرين، وفرق الضيافة والأمن والنظافة وغيرها، ومع ذلك فهو لا يحل مكان القبطان «القائد» بأي حال من الأحوال. كما اتضح للمشاركين أن أي مبادرة يقوم بها أي فريق عمل على متن الباخرة تؤدي لرفع الكفاءة أو تحسين الجودة أو تقليل التكاليف أو زيادة عدد المسافرين أو حماية البيئة تسمى أهدافًا إستراتيجية وتدفع في اتجاه تحقيق الرؤية، وبالتالي يترتب عليها رفع تصنيف الباخرة وزيادة الإقبال على رحلاتها وزيادة أرباحها، في حين تعتبر أي مبادرة تؤدي إلى تسهيل العمليات اليومية الروتينية هدفًا تشغيليًا يساعد تحقيقه على استمرارية العمل ومواجهة تحديات التشغيل.