11 سبتمبر 2025
تسجيلتعتبر عمليات المراقبة لأفعال الإدارة الحكومية وأصحاب الوظيفة العامة من المهام الجليلة التي تضمن للنظام الاستمرار عن طريق تقديم الدعم لوجوده بتطبيق آليات النقد البناء والتوجيهات الإصلاحية الدورية ومنعه من الوقوع في التجاوزات الإدارية والمالية وغيرها. ولشمولية الإسلام في تشريعاته فإنه نص كثيراً بشكل مباشر وغير مباشر على ضرورة المراقبة والنقد البناء والتوجيه لأفعال الإدارة وموظفيها الرسميين ومن يمتهنون المهن بكل أشكالها حفظاً لعامة الناس من أي تجاوزات يقوم بها الفريق الأول ضد عامة الشعب. وقد جاء وصف (المحتسب) في الإسلام لترجمة أفعال من يقوم بـ (الإنكار الإداري) لممارسات موظفي الحكومة والقطاع الخاص من تجاوزات متعمدة وغير متعمدة. وقد ذكر برنارد لويس أستاذ التاريخ في جامعة لندن عن المحتسب في التشريعات الإسلامية أنها وظيفة موازية لوظيفة (البوليس المدني) أو (البوليس المسؤول عن الأسواق والآداب العامة). وقد مارس المعلم الأكبر مهام المحتسب بذاته الشريفة عن طريق إنكاره للتجاوزات التي يقوم بها بعض التجار في زمنه. وقد جاءت النظم الإدارية بعد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الدول الإسلامية بوضع وظيفة المحتسب في الهيكل التنظيمي للدولة وتكون له صلاحيات تحميه أثناء ممارسة عمله. ومن طرائف الأمور أن الممالك النصرانية في فترة الاحتلال الصليبي للمقدس قد أدخلت مصطلح الحسبة بمنطوقه العربي في هيكلها التنظيمي إعجابا منهم بهذه الوظيفة الرقابية المتميزة وذات الأهمية في تحقيق العدالة التنظيمية. ولمنع أن تكون وظيفة المحتسب مشاعة لمن لا يمتلك شروط وأهلية الاحتساب فقد جعل مفكرو التشريع شروطاً لوظيفة المحتسب ومنها: أن يكون القائم على الاحتساب أميناً ونزيهاً وصادقاً في عمله وأن لا يعتمد على الخبر المشكوك فيه والبعد عن المكذوب ولا يدعي زوراً ولا بهتاناً على الأبرياء ليقوم بتصفية حسابات خاصة بينه وبين من يعتلي الوظيفة العامة أو القطاع الخاص. وأن يكون عالماً يدرك على ماذا يحتسب، فالجهل مورد الجميع للمهالك الإدارية. وأن يكون المحتسب ذا صلاحيات مستقلة عن سلطان الدولة حتى لا يحابي ولا يجامل الآخرين من ذوي السلطة والنفوذ ويكون النقد والعقاب فقط على من لا يملك نصيراً ولا ظهيراً.