11 سبتمبر 2025
تسجيلللوهلة الأولى قد تعتقد بأن المقال يتعلق بسكان أستراليا الأصليين أو مجتمعات المايا في جواتيمالا والمكسيك أو الهنود الحمر في أمريكا الشمالية والوسطى، ولكنه في الحقيقة أداة مهمة من أدوات البحث العلمي ومصدر قيم للحصول على معلومات قد تعجز الأساليب البحثية الأخرى عن توفيرها والتي من شأنها أن تساعد بشكل كبير لحل أكبر المشاكل واغمض الألغاز. المعارف البيئية للسكان المحليين أو المعرفة الإيكولوجية المحلية يقصد بها: تلك المعرفة أو الثقافة أو الخبرة التي اكتسبها الإنسان في مجتمع ما من خلال تواصله وتفاعله مع بيئته، حيث أدى هذا التفاعل بين الإنسان والبيئة إلى تطوير مهاراته وأساليبه للاستفادة من الموارد البيئية المتوفرة لتعزيز بقائه والحفاظ على ثرواته البيئية، أي أنها حصيلة معلوماتية قيمة يتوارثها الأجيال عبر العصور، تتنوع مجالاتها في الطب والزراعة وحماية البيئة والرعي والصيد وغيرها من النشاطات البشرية المختلفة، ولم يكن العلم الحديث في بداية ثورته الصناعية والعلمية يهتم بمثل هذه المعارف والثقافات، بل كان هناك نوع من الإهمال أو التجاهل لثقافات ومعارف السكان المحليين لبيئتهم، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن لهذه المعارف قيمة معلوماتية كبيرة قد تساعد الباحثين في مختلف المجالات العلمية والبيئية في إيجاد حلول جذرية للعديد من المشاكل المحيطة بالمجتمعات الإنسانية. إن هذه المعارف يتناقلها الأجيال جيلا بعد الآخر، ولكنها عرضة للضياع أو الاندثار بسبب قلة الاهتمام بالتوثيق والحفظ مع مرور الزمن، فعلى سبيل المثال لا الحصر: طرق العلاج التقليدية لدى أهل قطر والخليج بشكل عام مثل التداوي بالأعشاب الذي أثبت فاعليته في علاج الكثير من الأمراض، وباتت المؤسسات البحثية الطبية العالمية تستخدمه كطب بديل وتستحدث مركبات جديدة تحتوي على خلاصة أو زيت نبتة معينة لعلاج بعض الأمراض، ناهيك عن الكي الذي اشتهر به قامات من رواد الطب الشعبي في قطر والذين للأسف توفاهم الله برحمته وذهب علمهم معهم. وأذكر منذ وقت قريب عانيت من مشكلة صحية تمثلت بوجود التهاب بين أصابع قدمي والتي تسمى طبياً "بسعفة القدم"، والتي تتسبب بالتهابات وحكة وآلام بين أصابع القدمين، وتحدث عادة نتيجة ممارسة الرياضة لفترات طويلة، وقد جربت الكثير من الأدوية الكيماوية وعلى يد أطباء متخصصين، والتي لم تفلح في القضاء عليها، فقمت ببحث بسيط في طب الأعشاب على الشبكة العنكبوتية محاولة لإيجاد ما يريحني من عذاب الألم، فوجدت أحد كبار السن في إحدى الدول العربية يتحدث عن علاج بسيط وفعال وآمن لهذه المشكلة، فقررت أن أجربه خصوصا أن العلاج لا يحتوي إلا على مكون واحد فقط، ألا وهو " الحناء " الذي يتوفر في كل منزل، وبالفعل وضعت الحناء بين أصابع قدمي وكانت المفاجأة بعد يومين من استخدامي لهذا العلاج الشعبي البسيط، فقط اختفى الإحمرار والالتهاب وبدأ الجلد بالعودة إلى طبيعته، وبفضل الله تعالى ذهب التحسس دون رجعة. والسؤال هنا هل تم الاستفادة من خبرات ومعارف آبائنا وأمهاتنا في مجال البحث العلمي من خلال جمع وتحليل حصيلتهم من المعلومات والعمل على اثبات فاعليتها ونجاعتها؟، أم سنواصل تجاهل هذا الكم الكبير من العلم والمعرفة حتى الاندثار والنسيان؟. لماذا لا تقوم مراكز الأبحاث العلمية المنتشرة في الدولة بالاهتمام وتبني عملية جمع هذه المعلومات والخبرات لدى كبار السن أو أبنائهم والذين اشتهروا بمعرفتهم أو تخصصهم في مجال معين واشتهروا به؟، والعمل على توثيق وحفظ ودراسة علومهم وخبراتهم وثقافتهم ومن ثم نشرها والاستفادة منها، خصوصا بأن مجتمعنا يتمتع ببيئتين مختلفتين: هما بيئة أهل البحر وأهل البادية وفي كلتيهما نجد الكثير من المعلومات والمعارف التي توارثها الأبناء من الآباء والأجداد والتي للأسف بدأت في الانحسار من ذاكرتنا مع التهديدات التي تحيط بها في عالمنا التكنولوجي المعاصر. @drAliAlnaimi