14 سبتمبر 2025

تسجيل

اختراق الأجواء القطرية

24 يناير 2018

لقد تطوّر حصار الشعب القطري من الاجتراء على الجوانب الإنسانية والاقتصادية والتاريخية ليصل إلى اختراق الأجواء القطرية، في سابقة لم يسجّل مثلها التاريخ الحديث في المنطقة، حيث لم تعتد دول مجلس التعاون، بكل ما يربطها من أواصر قربى، وتماثل الأنظمة، والعلاقات السياسية والاقتصادية والتاريخية، إضافة إلى الجوار الجغرافي والتماثل الديموغرافي، على أن تقوم بأعمال عسكرية عدوانية ضد بعضها، وإن حصل ذلك في حقب من الزمان، خصوصاً وأن هنالك من يدعو إلى وحدة بلدان مجلس التعاون، وهذه الوحدة تقتضي الدفاع عن كل بلدان المنظومة ضد الآخرين، لا أن تقوم طائرة تابعة لسلاح الجو الإماراتي باختراق الأجواء القطرية، دونما تفكير بعواقب هذا الاختراق، ودون التفات للمواثيق الدولية التي تنظّم حركة الطيران العسكرية في أجواء البلدان الأخرى!. وكما قال محامون: إن هذا الاختراق يتنافى مع اتفاقية (شيكاغو) لعام 1944، واتفاقية (باريس) لعام 1991، اللتين تضمنان سلامة الأجواء السيادية لكل دولة، وإن هاتين الاتفاقيتين تضمنان حق الدولة المتعرّضة للاختراق الجوي أن تتخذ الإجراءات المناسبة، بما فيها حق اعتراض الطائرة أو الطائرات المخترقة لأجوائها وإرغامها على الرجوع أو إسقاطها إن لم ترتدع. نحن لا نريد أن تشيع هذه الأجواء في المنطقة، وألا يتم خلق حالة عسكرية، قد تكون نتائجها وخيمة على جميع دول وسكان المنطقة، كما يستدعي الأمر الالتزام بالمواثيق الدولية التي تحفظ حقوق سيادات الدول على أجواء إقليمها كاملًا، وإن حصل خطأٌ ما، في مثل هذه الأحوال، فإن هنالك مواثيق ومحددات تتطلب ترخيصاً من خلال اتفاق بين الدولتين؛ لا أن تقوم طائرة حربية بالتحليق في أجواء بلد آخر دون إذن منه. إن الأشقاء يختلفون في الرأي، ويقارعون الحجة بالحجة، لا أن يتم بينهم "استعراض قوة" بشكل استفزازي لا مبرر له.  لقد تعاملت دولة قطر مع حادثة اختراق طائرة عسكرية إماراتية بما يمليه عليها العقل والحكمة، لأنه ليس من مصلحة أي بلد أو أي شعب أن تسيل دماء الأشقاء فوق أراضي الأشقاء! قامت دولة قطر أيضاً بما تُمليه عليها المواثيق الدولية الخاصة بمثل هذه الحادثة، فقدّمت شكوى إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، لتوثيق هذه الحادثة في مجلس الأمن، في تأكيد واضح لسيادة دولة قطر على أجوائها الإقليمية التي تحددها الخرائط والمواثيق الدولية، ولأن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر يشوبها التوتر حالياً، بسبب الحصار المفروض من الدول الأربع (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، مصر)، منذ الخامس من يونيه 2017، فإن اختراق الطائرة العسكرية للأجواء القطرية السيادية لدولة قطر، يزيد من سكب الزيت على النار، ويُؤَجج المشاعر ويستفز النفوس، ويقضي على أي بصيص أمل في حل أزمة حصار الشعب القطري. ونأمل ألا يتكرر مثل هذا الاختراق، لأن عواقبه ستكون غير مُرضية لكل الأطراف، خصوصاً بعد تسجيل دولة قطر الحادثة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وعلى العقلاء من إخواننا في دولة الإمارات العربية المتحدة أن يلتفتوا إلى النظام الأساسي لمجلس التعاون، وميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، والاتفاقيات الخاصة بالطيران العسكري فوقَ أجواء الآخرين، وأن يُذكّروا أصحاب القرار بمغبةِ تجاهل القانون الدولي واللعب بالنار. إن جهود سمو أمير دولة الكويت ما زالت مستمرة لرأب الصدع في العلاقات الخليجية الخليجية، كما أن دولة قطر رحبّت أكثر من مرة بالجلوس إلى الطاولة والحديث بكل شفافية حول الأزمة المُفتعلة، والتوصل إلى حلول تصون سيادة كل دولة، ولا تتجاوز أي سيادة لأي دولة، وهذا هو حوار العقل الذي نادى به حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أكثر من مناسبة، ورغبَ أن يسود في حال حدوث أية أزمة بين الأشقاء، لكن استعراض القوة وتجاوز حدود الآخرين، واللعب بالنار بهذه الطريقة ( الرامبوية) لن تفيد الأمن والاستقرار في المنطقة، وأنها تتجاوز أواصر التاريخ والقربي وآمال الشعوب، في الوقت الذي يعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة. إن العقل والحكمة يتطلبان أن تُحلَّ مشكلات الأشقاء بطرق حضارية بعيدة عن "المراهقات السياسية"، والأنفة المنضخمة ، واللامبالاة بتداعيات استمرار مثل هذه القضية. لأن الشعوب سوف تتضرر ضررًا كبيرًا لو أشعل أحدهم النار في حالة " نشوة" سياسية استعراضية، وقد تحتاج المنطقة إلى سنوات وسنوات حتى تعالج آثار تلك النار، وستتدخل أطراف خارجية في الأمر، ما يُنذر بشقاء قادم لن يحترق منه إلا أبناء الخليج أنفسهم.