13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تسلط التحديات الاقتصادية التي تواجهها دول المجلس الضوء على العديد من الاختلالات المالية والاقتصادية، ومن بينها كلفة الأجور التي يتم دفعها من القطاع العام، إذ تمثل أكثر من 10 في المائة من الناتج القومي، ونحو نصف المصروفات في الموازنات العامة، ما يعني أن هذا القطاع قد بلغ مرحلة التشبع، وكذلك الاعتماد منذ الطفرة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي على الأيدي العاملة الرخيصة المقبلة، حيث يقدر عددها بنحو 17 مليون عامل يحولون سنويا نحو 100 مليار دولار. ومن هنا تبرز أهمية توطين الوظائف في القطاع الخاص في هذه المرحلة لتقليل ميزانية الدولة من جهة ووقف نزيف تحويل الأموال للخارج من جهة أخرى.إن التوطين بما أخذه من مسميات شتى في دول مجلس التعاون الخليجي (البحرنة أو العممنة أو السعودة أو..إلخ) انطلق في أهميته منذ نحو ثلاثين عاما، أي بعد التراجع الأول للإيرادات النفطية في منتصف الثمانينيات، وتنامي العجوزات المالية، حيث بات واضحا منذ ذلك الوقت أن دول المنطقة لن تعيش عصرا ذهبيا مستمرا كان قد بدأ منذ منتصف السبعينيات، وإنما يجب أن تستعد لدورات من الركود وشد الأحزمة، وبالتالي، لابد من إعادة النظر في نماذج التنمية التي تم تبنيها آنذاك والقائمة على مجتمع الرفاهية. وأحد الأمور المهمة التي فرضت نفسها لإعادة المراجعة هو موضوع العمالة والتنمية البشرية، خصوصا أن الطفرة الكبيرة في خدمات التعليم الثانوي والجامعي باتت تخرج مئات الآلاف من الشباب الباحث عن فرص عمل ملائمة، في حين امتلأت أسواق العمل بالعمالة الأجنبية الرخيصة.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في المقابل: هل نريد أي توطين كان وبغض النظر عن معايير الكفاءة والإنتاجية؟ الجواب على هذا السؤال واضح باعتقادنا. ومع ذلك، فإننا نريد توضيح أبعاده على مستويين، المستوى الأول هو مستوى الاقتصاد الجزئي، ونقصد بذلك مستوى منشآت الأعمال في القطاع الخاص تحديدا. والمستوى الآخر هو الاقتصاد الكلي، ونقصد بذلك مستوى إنتاجية الاقتصاد ونموه على كافة الأصعدة.وفيما يخص المستوى الأول، كلنا يعلم أن القطاع الخاص الخليجي يملك الرغبة في توطين الوظائف في مختلف الأنشطة التي يمارسها، ولكن أهم تحد يواجهه في تحقيق هذه المهمة، هو موضوع كفاءة وإنتاجية العمالة الوطنية. وهذان العنصران، أي الكفاءة والإنتاجية، لن يتحققا إلا من خلال التعليم والتدريب والممارسة التي تقود بالنتيجة إلى الاحتراف المهني. فالقطاع الخاص يهدف إلى زيادة العائد من الاستثمار في التنمية البشرية. ومن هنا تتضح العلاقة الجدلية بين التطوير التوظيفي من جهة والتوطين من خلال الاحتراف من جهة أخرى على مستوى الاقتصاد الجزئي. أما على مستوى الاقتصاد الكلي، فإن جميع التحديات التي تواجهها الاقتصادات الخليجية في الوقت الراهن تقود إلى حقيقة رئيسية، وهي أن هذه الاقتصادات مطالبة بتحسين مستوى إنتاجيتها وكفاءة أدائها كسبيل لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي تعزيز مستوى الدخل للمواطنين وتحقيق الرفاهية المنشودة. أما فيما يخص التحديات التي تواجه عملية التوطين في بلادنا الخليجية، فيجب أن نلاحظ أولا أن قضية التوطين باتت تمثل قضية محورية لدى الحكومات والدول جميعها، وذلك لارتباطها المباشر بالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وباعتبارها الأساس الحقيقي في تنمية المجتمع والفرد. ومن أجل ذلك، فإن الدول المتقدمة ومن خلال فهم دقيق لمعنى وإبعاد التوطين، تولي هذه القضية اهتماما كبيرا ومن أجلها تشرع القوانين وتسن التشريعات، وتضع الاستراتيجيات والسياسات التي تحقق التوطين الحقيقي على صعيد الإنسان والاقتصاد والوطن. أما في دول العالم الثالث فإن هذه القضية لم تحظ لديها بعد بالاهتمام المطلوب. وبالتالي كان من الطبيعي أن تتعرض هذه الدول لمخاطر التخلف والتراجع والصراع الداخلي، وعدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفي دولنا الخليجية، نحن نلاحظ للأسف أن موضوع التوطين لم يبرز كجزء من إستراتيجية شاملة للتنمية البشرية، وإنما فرضته ظروف تراجع العائدات النفطية في فترات مختلفة، آخرها فترتنا الراهنة والتي عادة ما تؤدي إلى تراجع حجم المشاريع الحكومية. وينجم عن ذلك الانحسار، انخفاض حجم الوظائف المتوفرة، والتنامي التدريجي للبطالة في صفوف العمالة الوطنية.إن جعل برامج التوطين جزءا من إستراتيجية شاملة للتنمية البشرية يعني توفير العديد من المستلزمات الضرورية لإنجاح هذه البرامج، وفي مقدمة هذه المستلزمات مشاركة القطاع الخاص والتنسيق معه في وضع هذه البرامج وفقا لاحتياجاته ومتطلبات نموه. كذلك مراجعة الأوضاع المؤلمة والكارثية لبرامج التربية والتعليم في بلداننا الخليجية، والتي نتفق جميعا أنها أدنى بكثير من طموحاتنا واحتياجاتنا. كما أن برامج ومعاهد التدريب ولاسيَّما المهنية والتقنية تعاني من الأوضاع نفسها.