27 أكتوبر 2025

تسجيل

احترمت نفسي فاحترمتني

23 ديسمبر 2015

خلق الله الإنسان مميزا ومتمايزا عن باقي الخلائق، حيث أكرمه بالعقل وميزه بمكارم الأخلاق لتوجيه سلوكه وأخلاقياته داخل المجتمع وتحسين علاقاته مع غيره من الناس، فنحن البشر جميعا يختلف بعضنا عن بعض من حيث الصفات المكتسبة والمتوارثة والشخصيات المنفردة والمتمايزة مع التفاوت في الطبقات الثقافية، فلولا هذا الاختلاف لكان جميع البشر نسخة واحدة وبالتالي لم يكن الإنسان قد تطور وتجددت ودارت الحياة به . الاحترام من الأخلاقيات والسلوكيات والقيم الراقية التي ترقى بالروح البشرية وتسمو بها، وهو شيء أساسي ومفروض بين أي فئة عمرية من البشر، ومن مكارم الأخلاق احترام الناس بعضهم البعض واحترام آرائهم وإنسانيتهم، فالاحترام بجميع أنواعه واجب مستحق من كل إنسان في أي مجتمع وفي أي موقف وفي أي علاقة بين الناس في المجتمع. ولكن كيف يكون شكل الاحترام المتبادل بين البشر؟ وما إطار هذه العلاقة بينهم؟. الجواب في هذه الحكاية:يحكى أن غلاما دخل بستانا يتنزه فيه، وكانت أشجار البستان مثقلة بحملها، فهي مزدانة بألوان الفواكه اللذيذة، وأشكال الثمار الناضجة الشهية، فلم تمتد يده لتقطف من فواكهها وثمارها شيئا، بل كان يمتع نظره بالخضرة اليانعة والألوان الضاحكة في ربوع البستان.في هذه الأثناء، كان البستاني يراقب الغلام مختبئا وراء شجرة، وبعد أن أنهى الغلام جولته في البستان، وهم أن يغادر، جاءه البستاني وألقى عليه التحية مشفوعة بابتسامة عذبة، وقال له: لقد رأيت شيئا عجبا! فقال الغلام: فعلا، في البستان أشياء عجيبة، قال البستاني: لا، لا أقصد البستان، بل أعني أني كنت أراقبك منذ أن دخلت البستان، فتعجبت كيف لم تمتد يدك لتقطف تفاحة أو رمانة أو خوخة، أو أي فاكهة أخرى أعجبتك، ولم يكن هناك أحد في البستان؟.قال الغلام: علمتني أمي منذ صغري أنني لا أرتكب القبيح حتى إذا لم أر أحدا، طالما أن نفسي معي تراقبني، فصرت أكره ارتكاب القبيح أمامها، فسر البستاني من جواب الغلام المؤدب المهذب الذكي، وطلب إليه أن يجلس على بساط مفروش على حافة ساقية، ثم قطف له من الفاكهة تشكيلة جميلة، وأتاه بها في صحن وفوقها بعض الورود، قال البستاني للغلام: تفضل كل هنيئا مريئا، قال الغلام: أرأيت احترمت نفسي فاحترمتني!. إن الله -عز وجل- كرم الله الإنسان وفضله على كل مخلوقاته ووهبه عقلا يميزه ليفكر به ويتدبر أموره، يفرق بين الخطأ والصواب فمن حسن تقديره لتلك النعمة عليه أن يحترم ذاته ويفهمها، يعرف جيدا مدى قدراته ويطوعها لتخدم طموحاته، ويحدد حجمها ولايعطيها فوق قدرها.مقولة عميقة للمفكر الإسلامي مصطفى محمود يقول فيها: المؤمن لا يعرف شيئا اسمه المرض النفسي، لأنه يعيش في حالة قبول وانسجام مع كل ما يحدث له من خير وشر، وهو دائما مطمئن القلب ساكن النفس، يرى بنور بصيرته أن الدنيا دار امتحان وبلاء وأنها ممر لا مقر، وأنها ضيافة مؤقتة شرها زائل وخيرها زائل، وأن الصابر فيها هو الكاسب، والشاكر هو الغالب. الخلاصة هي أن احترامك نفسك مدعاة لاحترام الآخرين لك! حينما أراد الله وصف نبيه، لم يصف نسبه أو ماله أو شكله، لكن قال -تعالى- "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" . وسلامتكم