12 سبتمبر 2025

تسجيل

قمر الخليج الصاعد

23 ديسمبر 2014

في القاعة الكبرى بفندق فورسيزنز بالعاصمة عمان كان الاحتفال الرئيسي بمناسبة اليوم الوطني لدولة قطر الشقيقة، أدخل كعادتي متأخرا في المناسبات العامة، ولكن بالفعل لا يشعر أحد بأنه جاء متأخرا، فأرتال السيارات أغلقت محيط الشوارع حول الفندق الفخم، وطوابير الضيوف من أعلى رتبهم الوظيفية حتى المواطنين العاديين كانوا يملأون المداخل والردهات، ووسط ذلك الزحام القادم للسلام وللكلام يجذبك صوت من بعيد، يخترق كل تلك الأبهة والفخامة والحداثة التي يحاول أن يمثلها اسم كسلسلة فورسيزينز، ليعيد فيك الوعي أن هناك عراقة تصدح في المكان، إنهم شباب قطر يتوسطهم السفير زايد الخيارين يلهجون بالحداء والعرضة وأهازيج الحماس وحب بلدهم وأرضهم وأهلهم وقيادتهم، واستطاعوا أن يجمعوا حولهم العشرات من المواطنين والضيوف، فتنظر حينها بإعجاب لمن استطاع أن يجمع الفرقاء على محبته أو على الأقل على صداقته.اليوم الوطني ليس يوما يمر كأي يوم أو مناسبة، إنه يوم شم رائحة التراب ومعانقة الأحباب والزهو بالرفاق والأصحاب، وتجديد ثياب الولاء للوطن والحكم الرشيد، وفي قطر الشقيقة لا يقتصر الولاء والانتماء على المواطن العتيق، بل إن كثيرا ممن رأيتهم وتحادثت معهم الذين عملوا أو ما زالوا يعملون يفاجئونك بقدر احترامهم وإعجابهم ومحبتهم للشعب القطري وللدولة، وهذا منبعه من الأصالة والمروءة والشهامة التي يقوم عليهما النهج السياسي والاجتماعي والاقتصادي لقطر الدولة التي قفزت خلال العقدين الأخيرين إلى مصاف الدول العظمى حتى أصبحت العالم ميدانها الاقتصادي والسياسي، وتجاوزت عقدة صراعات الديوك.بداية هذا الأسبوع استطاعت قطر بفضل قيادتها الشابة الرائعة أن تحقق تطورا عجيبا في استراتيجيتها السياسية، فقد ظهر جليا الدور المهم للدوحة في المساعدة على استتباب الوضع السياسي واستقراره في الإقليم العربي، وظهر جليا من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن قطر هي أحد أقطاب الساعة التي تضبط الأوضاع في المنطقة العربية، ولذلك يجب أن ينظر لها على أنها شريك في صنع السلم الأهلي وتدعيم الاستقرار في الدول العربية المضطربة وشقيق قريب للدول والأنظمة العربية، وألا ينظر لها كخصم يسهل التفاوض معه، فلكل دولة رؤيتها واستراتيجيتها وسياساتها وخططها في البناء الداخلي والحماية الخارجية، وقطر أثبتت أنها لاعب رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه، وحسنا فعل الجميع حين تعانقت الرؤى والقلوب من جديد الحديث اليوم عن قطر ليس من باب التفخيم أو المديح، فهي ليست بحاجة لحملة المباخر، ولكن لأن اليوم يسجل مرحلة جديدة من مراحل النهوض الشامل التي تشهدها البلاد، بعد هجمة شرسة قادتها الصحافة الغربية خصوصا البريطانية والصهيونية اليمينية وبعض الصحف المتعاونة بالمال، لإحباط أي إنجاز قد تسجله قطر عالميا، فكانت الحملات ممنهجة تتعلق بشكليات لا يمكن الاعتماد عليها في قياس مدى الالتزام بمعايير تطبيقات سوق العمالة الوافدة، ولا حقوق الإنسان، ولا حرية الرأي والإعلام، ولا بالطبع استضافة بطولة كأس العالم، وهذا هو الكابوس الذي قض مضاجعهم، فهم لا يريدون من الأمة العربية إلا مضرب مثل في التخلف والفوضى والإرهاب والاستهلاكية الغبية، بينما تمثل إنجازات قطر في استثماراتها الخارجية مصدر قلق، وهي في النهاية دولة عربية مسلمة والإنجاز يسجل للجميع، ولكننا نساعد أحيانا بعلم ومن غير علم في تحطيم المعنويات لدى دولنا الصاعدة. باعتقادي وحسب قراءتي من بعيد للساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القطرية، أن الدوحة ستكون هي المدينة الأولى في العالم العربي والخليج تحديدا، وإن كانت دبي قد أخذت صيتاً طفق الآفاق في العقد الأخير فإن قوى كبرى تلعب على الساحة هناك لغاياتها، ولكن كمدينة ناشئة لا يمكن أن تخيلها سوى غابات أسمنت وناطحات سحاب فندقية وساحات صمّاء، وكل جمالها بلا روح، ولا أدري إن كانت شاخت، ولكن بتقديري فإن الدوحة تمتلك عناصر التكامل، وأحد أهم نقاط ارتكازها هو الرؤية العميقة للنظام الحكم، ولروح الشباب المفعم بالأصالة والعروبة التي تتمتع بها قيادة الشيخ تميم آل ثاني.قطر،قمر صاعد لعليائه،وفي عيدها تستحق أن يكتب لها في مناسبتها، وأخذ استراحة من عناء الحديث عن قضايا الساعة الموجعة والملطخة بالدم على ساحات غالبية بلادنا العربية، ولذلك فإن الحاسد ينقم على ما تتمتع به بلادنا المستقرة، وقطر الشقيقة مثال على الاستقرار في الحكم والنظام والمجتمع، والسبب في ذلك أن عرى العهود القديمة التي بنيت عليها الدولة ممثلة بمختلف قبائل البلد وإمارتها لا تزال على ذلك العهد الأصيل، واستقرار الدولة يصنعه المواطن المؤمن بوطنه ودولته، ويحافظ على الإنجازات ويعظمها ويشكر لله كي تدوم النعم... وكل عام وقطر وبلادنا العربية جميعا بكل خير