10 سبتمبر 2025
تسجيلقبل مائة عام كهذه الأيام، كانت قد اندلعت للتو معركة القدس الكبرى بين قوات الإمبراطورية البريطانية والقوات العثمانية على أرض فلسطين، بعدما دخلت القوات البريطانية عبر قناة السويس إلى غزة وبئر السبع باتجاه فلسطين. وللأسف يتذكر الناس وعد بلفور اللصوصي، وينسون معارك غزة وبئر السبع ويافا والقدس وأريحا والنبي صمويل 1917 على أرض فلسطين، ومعارك السلط وإربد وعمان وزيزيا 1918 على أرض الأردن، تماما كما نسوا معارك المجاهدين وجيشنا العربي في نابلس والقدس والظاهرية 47 و48 و49، وكيف تطهرت القدس الشرقية ومحيط الأقصى من عصابات الهاجاناه وشتيرن والزاوية الصهيونية، قبل أن يعودوا لها محتلين. إن هذا الشهر تشرين هو شهر الذكريات العظيمة والحزينة معا في تاريخنا، ففي شهر تشرين الثاني فتح عمر بن الخطاب مدينة القدس، وفي هذا الشهر سقطت القدس بأيدي الإنجليز، حيث معركة القدس في 17\11\1917 التي استمرت حتى نهاية الشهر باستسلام فصائل الجيش العثماني، ليدخل القائد البريطاني إدموند ألنبي القدس من بوابة يافا ماشيا على الأقدام، ويقول جملته الشهيرة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، قبل أن يخرج منها ممتطيا صهوة حصانه وسط العرض العسكري، ثم يوجه قوات الفرقة الأسترالية نحو أريحا ثم السلط التي وقعت فيها معركة مع الحامية العثمانية، حتى وصلوا إلى عّمان التي كانت قرية كبيرة آنذاك. وصلت الفرقة النيوزلندية والأسترالية من الجيش الإمبراطوري البريطاني إلى عمان صبيحة 16 مارس 1918 وخاضت معركة شرسة مع قوات الجيش الرابع العثماني المتمركز في عمان وما حولها، وإلى جانبهم فرق من الجيش الألماني، حيث دافع 4000 عسكري تركي و5000 مقاتل ألماني عن أراضي عمان، إضافة إلى استخدام طائرات حربية ألمانية وإنجليزية عبر الأجواء الأردنية من عمان حتى إربد حيث المعركة الشمالية، وفي شهر مطلع نيسان استسلمت القوات التركية والألمانية في عمان، وفي زيزياء والقسطل التي وصلتها القوات الأسترالية وأسرت الجنود من قوات المحور، وذلك قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى. لقد حوصرت القدس وعمان تاريخيا، ولكن المفارقة أن الكفاح ضد السيطرة الأجنبية في ذلك الوقت بدأ مبكرا، ومنذ ظهور بوادر خيانة الإنجليز للشريف الحسين بن علي، والنكوص عن التعهد لقيام المملكة العربية الكبرى، واقتطاع فلسطين رهينة لتحقيق وعد الدول الغربية وروسيا لليهود، الذين كانت سفنهم تخوض عباب البحر الأبيض والمحيطات للقدوم إلى أرض العرب، وليس هناك من عرب يردعونهم، سوى القليل من شباب فلسطين الذين لم يمتلكوا أسباب القوة، حتى أعلنت بريطانيا رحيلها في مايو 1948 وتركت لأمريكا رعاية السرطان المتفاقم بعنصريته حيث دولة إسرائيل التي ناهضها يهود فلسطين أنفسهم ولا يزالون. اليوم بعد مائة عام على تلك الأحداث الجسام، للأسف لا يعرف غالبية النشء والشباب من فلسطين وإخوانهم في الأردن وكل مكان أي تاريخ حقيقي عما جرى، والجميع يمني نفسه بتدمير إسرائيل بالأغاني الحماسية والتجارة الألماسية، ويظن الكثير أن الجهاد هو تحرير الأرض اليوم قبل الغد، فيما لم تحرر الشعوب العربية نفسها من أغلال التخلف الفكري والعلمي ولا النفسي حتى، فنجد التفرقة على أساس الأرض والدولة والبيئة والدين والمذهب والتعالي العائلي والتطرف العشائري هي السمة الغالبة على مجتمعاتنا، ثم نطالب الغرب بأن يفرضوا إراداتهم السياسية على الكيان الإسرائيلي المحتل لإعادة الحق لأهله، فكيف سننتصر على الأعداء ما دامت حروبنا تستهدف الشعوب المقهورة والاقتتال داخل البيت العربي وصل أوجه، فيما نحن نخطب ودّ أعداء الماضي، ونعادي إخوة الدم والتراب والتاريخ والدين على أتفه الأسباب؟!