27 أكتوبر 2025

تسجيل

جوِّع كلبك يتبعك

23 نوفمبر 2017

هذا مثل عربي شهير قيل في الجاهلية، قائله أحد ملوك حمير اليمنية وكان عنيفًا على أهل مملكته، جشعًا طماعًا يغصبهم أموالهم ويسلبهم ما في أيديهم، حتى أضحى القوم فقراء وليس فيهم غني غيره، فقالت له امرأته ناصحة: ارفق بقومك فإني أخاف أن يصيروا علينا سباعًا بعد ما كانوا لنا أعوانًا! فقال لها: جوِّع كلبك يتبعك! وأقام فيهم على حاله هذه، ثم غزا فيهم مرة فأصابوا خيرًا كثيرًا، فأخذه كله كعادته، فلقي القوم أخاه وقالوا له: لقد رأيتَ ما فعل أخوك بنا، وإنَّا نكره أن يخرج الملك منكم إلى بيتٍ غيركم، فأعنا على قتل أخيك، واجلس مكانه! فوافقهم في طلبهم، فوثبوا عليه جميعًا وقتلوه، فمر به عامر بن جذيمة وهو مقتول، وكان قد سمع قوله: جوّع كلبك يتبعك، فقال له: ربما أكل الكلب مؤدبه إذا لم يشبعه، فصارت مثلًا هي الأخرى.    القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل! اقرؤوا التاريخ فكل نظام سقط على أيدي أعدائه الخارجيين كان قد سقط قبل هذا بكثير من الداخل، والأنظمة التي رأيناها تسقط بعد مظاهرات الربيع العربي التي انفجرت في وجه الطغاة في الانظمة المستبدة سقطت ليس لأن المظاهرات كانت صلبة، ولكن لأن الأنظمة كانت هشة، والذي لا يحميه عدله لا يحميه جنده!   إن أسوأ سياسة في الحكم هي سياسة التجويع، والتطويع عن طريق الحرمان، الحاكم الذكي لا يخاف إذا شبع الناس، ولكنه يخاف إذا جاعوا،  سياسة التجويع لنيل التبعية لا زالت ماثلة في عصرنا الحالي سارية بالقوة في انظمة استبدادية لا زالت باقية وتنتظر دورها بعد ان يأخذ الظلم ذروته.     الصورة المعاصرة ماثلة أمام أعيننا في هذا الزمن الرديء ويمكننا أن نرى هؤلاء على الطبيعة من خلال باقي الطغاة الذئاب، فعليهم أن يحذروا غضبة السباع والكلاب-الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه سوى الجوعين /جوع الكلاب للطعام، وجوع السباع للإكرام/ فكثير من الناس يشبهون الكلاب من حيث طباعهم- من بصبصة تبدو في هزة ذيل أو ذنب، هو أمر صحيح، لأن الإنسان الذي رضي أن يهبط عن مستوى الإنسانية إلى مستوى الكلاب- التي لا همَّ لها إلا إشباع بطونها وفروجها، وحين يحين الوقت لن تستطيع أي قوة مهما بلغت أن تمنع الانفجار؛ لأنها سنة الله //ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا//.     نشر منذ فترة، من خلال برنامج وثائقي خاص، خبر عن مكرمات الوليد بن طلال الذي أراد أن يزكي ففضح نظامه الذي يعامل شعبه بازدراء، فابن طلال حاول- من خلال البرنامج المذكور أن يستعرض كرمه ومآثره- أمام الفرنسيين والهولنديين- فكشف الواقع الحقيقي والمُخجل للمُجتمع السعودي، وعرّى حالة أبناء الشعب، ونقل صورة كئيبة لأعداد هائلة من الفقراء والمعوزين الذين أظهرتهم الكاميرا الفرنسية والكاميرا الهولندية، وهُم بالآلاف المؤلفة حيث يُقعون على أبواب المخيم كالكلاب.    قصة المثل العربي الذي صدرته عنوان هذا المقال يعرض بالتأكيد حالة استبداد الناس وتجويعهم كي يتبعوا الحاكم من الخوف، وهو يمتثل أمام أعيننا بالقوة هذه الأيام، فحكام بعض الأنظمة تمادوا في تعاملهم بفظاظة وغلظة، وهذا لا يصلح مع شتى ألوان الناس، فهناك اللئام وهناك الكرام، فلا نتبع الأمثال دون أن نعرف مع أي لون نتعامل.     خلاصة القول أجمل تبعية يمكن تحقيقها هي عن طريق امتلاك القلوب!     وسلامتكم