11 سبتمبر 2025
تسجيللا يقف أثر الأخلاق البالغ عند استقرار المجتمع فحسب بل إن المحافظة على الأخلاق تعد من صميم الإنسان السوي بما منحه المولى تبارك وتعالى من نعمة العقل والتفكير والتمييز، بيد أن تمرير المفاهيم النبيلة يخضع لمعايير محددة من حيث التأثير، إذ إن تبعات إفراز التراكمات السلبية المتتالية لم تكن لتجد التأثير وتستقر لو أن الرفض الحسي أحكم السيطرة من واقع الاستنتاج الموضوعي والاستيعاب للمعطيات بصيغة تنحو إلى استشعار الخطأ والصواب وفق ترسيخ الاقتناع لطرق الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة في حين تقف الرغبة الجامحة في اتكاء بليد على سطوة العاطفة لتقف حجر عثرة أمام التوجه السليم وفي المراحل المبكرة تحديداً وهي مرحلة النشوة بتحقيق رغبة آنية زائلة ليرزح المفهوم تحت وطأة الجهل من جهة، وقلة الإدراك لنتائج المرحلة المؤذية التي لا تسر حتى من أتاها من جهة أخرى، الشعور الوقتي بمتعة المخالفة أياً كان نوعها سيخلط الأوراق ومن ثم يجهز الخطأ بسطوته العمياء على النسبة القليلة المتبقية من تأنيب للضمير وجلد الذات والذي يكون تأثيره متأخراً أو بالأحرى لا يتم استدعاؤه إلا بعد خراب مالطة، فكان لزاماً ترميم الأسوار التي تتصدع جراء الثقوب المتواترة من تقنية يتم استخدامها سلباً وأطباق تحوي في أهدافها التأسيس للرذيلة، إن التهيئة للاتزان مرحلة مهمة ومؤشر دقيق لصدق التوجه لئلا يذوب الاعتدال كنسق قيمي فذ أمام مؤثرات استجداء التمرد على القيم ليس قناعة بتطبيق هذا المفهوم الجانح بقدر ما هو استغلال ولفئات عمرية معينة من خلال اختراق الجانب النفسي المرن ووفق تعبئة تفتقر إلى الاتزان فضلاً عن انتفاء نقاء الأهداف ، وتتنوع الأساليب وتتباين المحاور في الهدم إلا أن الأهداف قد تتشابه إلى حد التطابق (وشبيه الشيء منجذب إليه) وللحيلولة دون مد تأثيرها ينبغي التركيز على تنمية فكر الاعتدال والسلوكي تحديدا بموجب استحضار المحفزات المرتبطة بهذا الصدد وتطويعها إيجاباً وتفنيد المقولة المطاطة كل ممنوع مرغوب، فإذا كانت الرغبة هي الهدف فإن المنع ليس سوى الوسيلة، وتكمن المعضلة في تقديري في جانب يرتمي في أحضان الرغبة الملحة ليكون إلحاحه المتواصل جسراً يعبر من خلاله المخطئ إلى المصيدة، ألا وهو الفضول حينما يتسرب عبر نفق اهتزاز الثقة ويحدث اختلالا للتوازن وبالتالي طرق هذا المسلك السيئ حتى إذا ما تمكن فضوله من جره إلى القاع، يبيت الخروج أكثر صعوبة لاسيما وأن الاعتياد يسهم في إضعاف الشعور بالذنب ومن ثم فإن التكرار يفضي إلى استسهال المخالفة تبعاً لغياب التواصل وعدم انتقاء الوسائل المقنعة في الوصول فضلاً عن التأثير، وهكذا يتم الاستدراج على هذا المنوال طالما أذيب الرادع الحسي وبات استشعار مرارة المخالفة تحصيل حاصل أمام هذا الزخم الهائل من الضخ المتواتر، ومن ضمن الأمور المهيئة لهذه الأزمة ولاريب غياب القدوة المؤثرة حينما يجهز التناقض في التصرف أو السلوك على المصداقية فيكون للترك أقرب منه إلى الاقتداء، لتنزوي المثالية في ركن الشك المتربص للفتك بكل ما هو جميل وإحلال القبح مكان الجمال وما ذلك إلا نتاجاً لتمرير الصيغة النمطية للكمال، حينما اتكأ الغموض على حاجز الحياء وحال دون الاعتراف بالخطأ، بينما يكون الضرر قد بلغ أشده وفق ترسيخ هذا التناقض وما ينجم عن ذلك من وأد للتأهيل على نحو يكرس النفور من جهة وما يخلفه من فراغ ليجد المتردد من يملأ هذا الفراغ استغلالاً لهذا الإرباك ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الضير في التراجع وغربلة الاعتداد بالنفس بمفهوم التواضع الفذ وتبيان المفاهيم بصورة صحيحة، وأن الخطأ وارد في كل وقت، ومن أي شخص للحيلولة دون شرخ الصورة الجميلة، بل إن ذلك يعزز من قوة الإرادة مقرونة بالإخلاص حينئذٍ فإن المؤثرات ستتحطم أمام صلابة المبدأ، وستتوارى أفول الشر خلف أبواق التعاسة والانتكاسة والحسرة على ضياع التمكين أمام قوة الحق التي لا تهدأ أو لا تستكين، إن الفساد الأخلاقي من أقسى ما تواجهه الشعوب إن لم يكن الأقسى إذ إنه يقضي على قيمها ومقدراتها ولاسبيل لمقاومته إلا من خلال احتواء السلوك وما يفرزه من أخطاء عبر التوضيح والتصحيح بالكلمة الطيبة الصادقة ومن خلال الإقناع المؤثر بعيداً عن التجريح الذي لن يورث إلا التجريح المضاد، وكذلك مصادرة الاحتقار والإزدراء لتسمو الروح بشموخ العزة والإباء عبر الألفة التي توجب المحبة، وبالتالي إنشاء صيغة ملائمة تتيح للجميع الانصهار في وحدة متكاملة مشكلة الإضاءة تلو الإضاءة. قال الشاعر: إذا طالبتك النفس يوماً بشهوة وكان عليها للخلاف طريق فخالف هواها ما استطعت فإنما هواك عدو والخلاف صديق