19 سبتمبر 2025

تسجيل

الأزمة المالية تهدد العديد من الدول النامية

23 أكتوبر 2022

أدت الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة وقيمة الدولار إلى تعرض العديد من الاقتصادات النامية لضغوط، بسبب ارتفاع تكلفة الواردات والزيادة الصافية في تكلفة سداد الديون. ويجب على دول مجموعة السبع دراسة زيادة ميزانياتها المخصصة لمساعدة اقتصادات الدول النامية حيث أن 60% من هذه الدول قد تتخلف عن سداد ديونها. نحن نعيش في عالم دولي مترابط في مجال الاقتصاد والمال، وفي نفس الوقت تحرص الدول الكبيرة على صنع السياسات ووضع الميزانيات على المستوى الوطني لدعم مصالحها واقتصادها المحلي. وهذا يشكل معضلة كبيرة، خاصة عندما تتزامن العديد من التطورات السلبية مع بعضها البعض، وهو ما يمكننا ملاحظته اليوم. وكان المزاج السائد في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي الذي عُقد في العاصمة الأمريكية واشنطن في وقت سابق من الشهر الحالي قاتمًا، حيث أشارت صحيفة فاينانشيال تايمز في تعليق لها صدر بتاريخ 16 أكتوبر إلى أنه: "من النادر أن تتوقف العديد من محركات الاقتصاد العالمي دفعةً واحدةً"، مستشهدةً في ذلك بانخفاض النمو في الاقتصادات الرئيسية، وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، حيث بات لدينا تضخم مصحوبًا بركود اقتصادي (Stagflation). ويسود الشعور بالتشاؤم في جميع أنحاء العالم، ويؤثر على الدول الغنية أيضًا، مع احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة بنسبة 100٪ وفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبرج إيكونوميكس. وقد تعرض صناع السياسات في العواصم الغربية للنقد بسبب استجابتهم المتأخرة جدًا للضغوط الناجمة عن التضخم، ثم اضطرارهم إلى التحرك بقوة لرفع أسعار الفائدة. وكان التضخم يتراكم منذ فترة، بدايةً من مرحلة انتشار جائحة كوفيد-19 خلال عامي 2020 و2021، بسبب الإغلاقات واضطراب سلسلة التوريد. وحافظ صناع السياسات على انخفاض أسعار الفائدة لتقليل مخاطر الركود الحاد، ثم زاد التضخم بوتيرة أسرع مما توقعتها البنوك المركزية بعد انتهاء معظم عمليات الإغلاق، واندلاع الصراع الروسي الأوكراني الذي أدى إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط والغاز والغذاء، وخاصة القمح. وذكر جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أنه "بدون استقرار الأسعار، لن يعمل الاقتصاد لصالح أي شخص". ومع ارتفاع الأسعار، ارتفعت قيمة الدولار بشكل كبير، مما كان له تأثير مباشر على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وفي الاقتصادات الناشئة ذات الديون الحكومية المقومة بالدولار، زادت تكلفة الواردات وأقساط سداد الديون، مما تسبب في حدوث ضغط على قدرة الحكومات والسكان على الإنفاق وانخفاض مستويات المعيشة. ويأتي جزء كبير من الضغوط الناجمة عن التضخم من زيادة أسعار الموارد الأساسية، مثل الطاقة والغذاء. ومن بين الاقتصادات الناشئة، تُعدُ فنزويلا ونيجيريا فقط من البلدان المصدرة للنفط، وتستفيدان بالتالي من ارتفاع عائدات الصادرات ولكنهما تواجهان نفس الضغوط الناجمة عن التضخم، في حين يتعين على الدول الأخرى استيراد الوقود. وقد اضطرت بنغلاديش، وهي إحدى الدول الرئيسية في مجال صناعة المنسوجات على مستوى العالم، إلى قطع التيار الكهربائي لفترات محدودة لترشيد استهلاك الديزل في توليد الكهرباء. ونظرًا لأن قطاع النسيج من أبرز القطاعات المستخدمة للكهرباء، فإن ذلك يؤثر على صناعة المنسوجات الموجهة للتصدير ذات الأهمية الاستراتيجية والمصدر الرئيسي للدولار. كما كان للكوارث الطبيعية تأثير واضح وملموس. ففي عام 2022، تأثرت كل من باكستان وفلوريدا في الولايات المتحدة بالفيضانات المدمرة. وقدرت تكلفة الأضرار بنحو 10 مليارات دولار في باكستان وحوالي ثلاثة أضعاف هذه التكلفة في فلوريدا، ولكن الحكومة الفيدرالية لأكبر اقتصاد في العالم ستجد أن من الممكن تحمل تكاليف الإغاثة والتعافي في فلوريدا، كما أنها تتمتع بقدرة غير محدودة على اقتراض الأموال أو طباعتها في نهاية المطاف، بعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم. ولا تملك الحكومة الباكستانية مثل هذه الخيارات وتحتاج للحصول على مساعدات دولية. ووردت تقديرات في اجتماع صندوق النقد الدولي الذي عُقد خلال الشهر الحالي بأن حوالي 60٪ من الاقتصادات الناشئة قد تتخلف عن سداد ديونها الحكومية قبل انحسار الأزمة الحالية. وأصدر صندوق النقد الدولي نصيحة للحكومات بالحفاظ على الاحتياطيات الدولارية قدر الإمكان، والاستفادة من التوجيهات الاحترازية الصادرة عن الصندوق من أجل تعزيز السيولة. وفي الوقت الحالي، تمثل ميزانيات المساعدات الدولية لأغنى الدول مصدرًا مهمًا للمساعدة والإغاثة. وقد تؤدي زيادة المساعدات إلى تحقيق المصالح الخاصة لبعض الدول، فضلاً عن كونها سياسة تصطبغ بالطابع الإنساني. ومن المرجح أن يزداد تدفق اللاجئين إلى البلدان الغنية من المناطق التي تضررت بشدة من الفيضانات أو الجفاف أو الأزمات الاقتصادية دون تلقي المزيد من المساعدات. ويجب إصلاح النظام الاقتصادي الدولي، وزيادة قدرة الصناديق العالمية (مثل صندوق النقد الدولي)، وتعزيز التنسيق العالمي، وتشجيع الأفكار الجديدة المبتكرة، لجعل الاقتراض أقل تكلفة بالنسبة للاقتصادات النامية، وجعل عملاتها أقل عرضة للتغيير والانخفاض في القيمة.