12 سبتمبر 2025
تسجيلتداولَ متعاملون مع أدوات التواصل، خلال الأسبوعين الماضيين، شريطَ فيديو مُصوّراً من هاتفٍ نقَّال، لطالبٍ يعتدي بالضرب على طالبٍ آخر أمام مدرسة من مدارسنا، وبدا الشابُّ المُعتدي شَرساً، وهو يُكيلُ اللكماتِ إلى وجهِ ورأسِ الشابِ الآخر، الذي يبدو أنه أصغر منه سنّاً حسب شكله، وأرجعَ البعضُ الحادثةَ إلى تلاسُنٍ بين الطالبين حصل قبل الحادثة! وبغضّ النظر عن تخطئةِ أو تبرئةِ أيٍّ من الطرفين، فإن الحادثة، بحدِّ ذاتها، مرفوضة. ذلك أن الاعتداء الفيزيائي من شخص على آخر، لا يُمكن قبوله في هذا العصر، مهما كانت المُبررات، لأنه توجد جهاتٌ تحكمُ في أيِّ تلاسُنٍ أو شِجارٍ لفظي يحدث. بعضُ المغردين والكُتّاب نادوا بأن تتم مُعالجةُ المُعتدي، قبل إيقاع العقاب عليه، وكان هنالك رأيٌ بأن يتمَّ عقابه، لأنه تصرّفَ تصرّفاً غير لائق مع إنسان آخر، خصوصاً وأن كليهما على مقاعد الدراسة، وضمن نطاق حَرَم المدرسة، كما أن دستور دولة قطر، في المادة رقم 18 من الباب الثاني، ينصُّ على الآتي: «يقوم المجتمع القطري على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق». وهذا نصّ صريح بأن الحادثة قد خالفت نصَّ الدستور، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد كفلَ كرامة الإنسان، في مادته الأولى، التي تنصّ على: «يولد جميعُ الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يُعامل بعضُهم بعضاً بروحِ الإخاء». وأيّدَت المادةُ رقم 3 من الإعلان تلك المادةَ، ونصَّت على: «لكل فردٍ الحقُّ في الحياة والحرية وسلامة شخصه». وأيضاً الحادثة ناقضت هاتين المادتين، ومن الناحية الدينية نجد أن القرآن الكريم وهو دستور الأمة، قد طالبَ بالمعاملة الطيبة بين البشر، مهما كانت اختلافاتهم، وبحُسن السلوك، وعدم الغيبة أو التنابز بالألقاب.. وغيرها من السلوكيات المرفوضة. ولقد وُضعت قضية الاعتداء تلك، في مكانها الملائم، وقامت الأجهزة المختصة بإجراءاتها الكاملة التي تطلَّبها الموقف. ولاحظتُ، ضمن المقابلات التي أُجريت مع بعض المسؤولين في هيئات التعليم، أن البعضَ قد ألقى باللائمة، في القضية، على وسائل الإعلام، ومشاهدةِ أفلام العنف! وحسب معلوماتي، فإن مشاهدة الإنسان الطبيعي لمشاهدَ عُنف، لا يُمكن أن تتولد لدية قابليةٌ للعنف، ذلك أن وسائل الإعلام لا تُغيّر السلوك، قدْر قيامها بدعمِ الاستعدادات الداخلية لدى الإنسان، وهو ما عُرف بـ (Reinforcement ) أي تعزيز الدوافع الداخلية، دون أن تغيّر السلوك (Change Behavior)، وأتمنى عدم الربط بين الموضوعين، ذلك أن الإنسان الذي لديه دوافعُ داخلية للعنف، فإن الإعلامَ العنيف «يدعم» هذا التوجه، وهذا لا يحدث مع الشخص الذي ليست لديه تلك الدوافع. والتَنَمّرُ (Bullying )، وسمّاهُ قاموسُ أكسفورد بـ (بلطجي، شقيّ، متحكّم فيمن هم أضعف منه، يُجبر بالقوة) ص 85. والتَنَمُّر سلوكٌ عدوانيٌّ غير مقبول، دائماً يقع بين الأطفال في سن المدرسة، وهو يعني: استخدام القوة اللفظية أو الجسدية، تضع الطرفَ الآخر في موقف الضعف، بقصد إلحاق الأذى به، ووضعهِ في موقف مُحرِج أمام الآخرين. وقد يكون التَنَمُّرُ (لفظياً)، باستخدام كلماتٍ نابية أو إشاراتٍ ضد الآخر، أو (جسدياً)، بالاعتداء بالضرب أو الركل أو الدفع، وهدفه إهانة الطرف الآخر أمام الناس، يقول الباحث النرويجي (P.N. Ross ) – في Arresting Violence: «إن التَنَمُّر يتضمن قدراً كبيراً من العدوان الجسدي مثل: الدفع، والنغز، ورمي الأشياء، والصفع، والخنق، واللكم، والركل، والضرب، والطعن، وشدّ الشَعر، والخدش والعَضّ».. ( ويكيبيديا). وتتضح ظاهرة التَنَمُّر عندما يُقرر المُتَنَمِّر مَن هو ضحيته، ويبدأ في نبذها، في البداية، وحرمانِها من الاندماج مع بقية الأقران، ثم يبدأ في توجيه إهاناتٍ لفظيةٍ ضد الطرف الآخر، ثم يتطور الأمرُ إلى الاعتداء فيزيائياً، وأحياناً يسعى المُتَنَمِّرُ إلى إثبات قوةِ شخصيته بين المجموعة، ويحدثُ أن يقوم أكثرُ من شخص بعملية التَنَمُّر ضد شخص أو مجموعة أخرى. ويرى بعضُ المُحللين أن التَنَمِّر يحدثُ نتيجة خللٍ في عقل الطفل أو الشاب المُتَنَمِّر، يجعله يعتقد أنه أقوى من غيره، وهذا لا يعني أن التَنَمُّر يحدثُ في رياض الأطفال أو المدارس فقط، بل يحدث أيضاً في الهيئات والمؤسسات، بين الكبار، كأن يَتَنَمّر (المدير) على أحد الموظفين أو مجموعةٍ منهم، بقصد إثباتِ وجوده، أو تخويفِ الآخرين من عقابه الشديد، حفاظاً على هيبته في العمل. وهنالك عدة أنواع من التَنَمُّر: التَنَمُّر اللفظي: ويشمل الإغاظة والسخرية والاستفزاز والتعليقات غير اللائقة. التَنَمُّر الجسدي: ويشمل الضرب، العنف، الصفع، الخنق، وغيرها من طرق الإيذاء الجسدي. التَنَمُّر العاطفي: من خلال الإحراج الدائم للشخص، ونشر الشائعاتِ حوله. كما أن للتَنَمُّر تصنيفات أخرى، مثل: التَنَمُّر المُباشر: الذي يتمثلُ في الضرب والدفع وشدِّ الشَعر والطعن والصفع والعضّ والخدش، وغيرها من الأفعال المؤذية. التَنَمُّر غير المباشر: وهو الذي يتضمن تهديدَ الشخص بالعَزل الاجتماعي، عن طريق نشر الشائعات، ورفضِ الاختلاط معه، ونقدهِ من حيث الملبس والعِرق واللون والدين.. وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى تهديد كُلّ مَن يختلط معه أو يدعَمه. وهنالك أيضاً: التَنَمُّر الإلكتروني، الذي يحدثُ عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، أو من خلال الرسائل النصّية، عبر الهواتف النقّالة، وأيضاً التَنَمُّر الأُسَري، وهو الذي يكون من قِبل الوالدين أو بين الإخوان، أو الزوجين أو الأقارب، ويوجد التَنَمُّر السياسي، ويحصل عندما تسيطر دولةٌ ما على دولة أضعف، وعادة ما يتم ذلك عبر القوة والتهديد العسكري. (التَنَمُّر، أسبابه، أنواعه، وطُرق علاجه، Heloona.com) نعود إلى القضية التي بنينا عليها هذا المقال، لنؤكد أن المجتمع القطري يقوم على مكارم الأخلاق، والتعامل بالحُسنى. كما أن هذا المجتمع تحكمهُ قوانينُ ونواميسُ محدَّدة في الدستور، وفي مفاهيم وتقاليد المجتمع، وقد تكون تلك الحادثة فرديةً، لا ننكر وجودَ مثيلاتها سابقاً، إلا أنه لا يجوز تعميمُها، واتخاذها «شمّاعة» لوسم شبابنا بالتَنَمُّر، إذ يوجد لدينا شبابٌ محترمٌ في حديثه وفي تصرّفاته، ولقد واجهنا حالات تَنَمُّر في المرحلة الجامعية، فحدثَ أن تَنَمّر طالبٌ على أستاذه، بصورة غير طبيعية، لكن هذا الأمر، لا يحدثُ كُلَّ يوم، بل قد تكون للتَنَمُّر دوافعُ سيكولوجيةٌ، لم تتم معالجتها من قِبل الأُسرة، أو تمَّ السكوتُ عليها، حيث إن بعضَ أفراد المجتمع لا يؤمنون بمقولة (الوقايةٌ خيرٌ من العلاج)، بل ينتظرون وقوعَ المشكلة، ثم يبادرون بعلاجها، وهذا خطأ كبير. نتمنّى لطلابنا وطالباتنا النجاحَ والأمان، ونتمنّى من الأُسَر تهيئة الأجواءِ المناسبة لذلك، وأن تُلاحظ الأُسرةُ تصرّفاتِ أبنائها وبناتها، ليتم علاجُ أيةِ ظاهرةٍ سلبية، قد تظهر على الأبناء أو البنات. [email protected]