10 سبتمبر 2025

تسجيل

الثاني من نوفمبر..يوم جمال خاشقجي

23 أكتوبر 2018

لم يكن معارضاً ولا عنيفاً لكن المملكة التي تستعيد جلدها القديم لا تقبل الناصحين السعودية الجديدة كذبة والكذب حبله قصير وجمال سيبقى المرآة الفاضحة لها على العالم أن يثبت أن أيامه الدولية للعمل الجاد لا مجرد مناسبات احتفالية سنوية محمد الماغوط قال يوماً: " إن حرية التعبير والكلام والمعتقد مضمونة لجميع فئات الشعب، ويستطيع أي مواطن عربي في أي بلد عربي أن يدخل على أي مسؤول ويقول ما يشاء، ولكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى". وكأنه يقول هذا الكلام عن جمال خاشقجي والقنصلية. هذا القول يذكرني بحرص الطغاة دائما على أن يستخدموا العنف في كل مرة يحتاجون فيها للتعامل مع المرآة التي تكشف لهم أخطاءهم، أو المرآة التي تعريهم أمام العالم، لهذا يرتكبون نفس الأخطاء دائماً في التعامل مع المرآة، مرآة الأفكار التي تساهم في توعية الناس، وإعادة إنتاج الوعي المضلل الذي صنعه زبانية الطاغية، لكنه في كل مرة يصدم بأن الفكرة التي كسر المرآة من أجلها لا تموت، بل تبقى وتنتشر وتكبر. ربيعنا العربي الجميل الذي لايزال يزدهر في كل دولنا، سواء على مستوى التغيير السلمي الذي حدث في بعض الدول، أو مستوى التغيير البطئ الذي تسبب به لكراسي الحكم المرتجفة، أو الموجات الثورية التي ستعود يوماً ما.. من جمال ربيعنا العربي انه جمع في أسمائه كل جميل، فمن محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية، إلى خالد سعيد أيقونة الثورة المصرية، وصولا للجميل الصالح أبو صلاح.. جمال خاشقجي. لم يكن جمال خاشقجي بالمعارض العنيف، بل لا يكاد يطلق عليه مسمى معارض، نظراً لتاريخه الطويل في العمل مع السلطة، حتى لأنه كان يسمي نفسه ناصحاً وليس معارضاً حتى أيامه الأخيرة رحمه الله. ومع ذلك لم تتحمل السلطة السعودية ذلك ودبرت أغبى عملية أمنية منذ اختراع أجهزة المخابرات في تصفيته، واختارت أسوأ مكان لقتله منذ اختراع الدبلوماسية. السعودية الجديدة كذبة، والكذب حبله قصير، فمحمد بن سلمان اليوم يظهر السعودية القديمة، هي سعودية قديمة تتجدد، بنفس الفكر الدموي العنيف، ونفس البطانة المنتفعة المتسلطة، ونفس التصرفات الطائشة التي لا تلقي بالاً لشعب أو دولة، ولكل ذلك السوء سيبقى جمال خاشقجي المرآة الفاضحة لها. عندما كنا في بداية أزمة حصار قطر نتحدث عن أننا نختلف مع سلطة متهورة لا أمان لها، وهذا الشك فيها يمتد حتى إلى الجانب الديني والخوف من إلحاق الأذى بالحجاج والمعتمرين، قال البعض إننا نبالغ، فماذا يقولون اليوم وقد رمت السلطة السعودية برقعها وكشفت عن المزيد من وجهها القبيح. إننا على بعد أيام من الثاني من نوفمبر، وهو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة ليكون اليوم الدولي لإنهاء الافلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وليس أجمل من هذا اليوم ليحتفل فيه العالم بعقاب قاتل جمال، ليكون درساً لكل من تسول له نفسه أن يرتكب مثل هذا الجرم، ويظن أنه سيفلت بعقابه. ووفقاً للأمم المتحدة فإنه "خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة (2006 – 2017)، قتل ما يقارب 1010 صحفيين وهم يؤدون عملهم في نقل الأخبار والمعلومات الى الناس. وفي 9 حالات من أصل 10 يبقى الفاعل بلا عقاب. فإن الافلات من العقاب يؤدي الى مزيد من جرائم القتل كما أنه دليل على تفاقم الصراع وعلى تداعي القانون والانظمة القضائية. لذا تخشى اليونسكو أن يؤدي الافلات من العقاب الى زعزعة مجتمعات بكاملها من جرّاء اخفاء انتهاكات خطرة لحقوق الانسان والفساد والجرائم. ولا تشمل هذه الأرقام العدد الكبير من الصحفيين الذين يتعرّضون يوميا لاعتداءات غير مميتة، بما في ذلك التعذيب، وحالات الاختفاء القسري، والاعتقالات الاعتباطية، والترهيب والتحرّش في أوقات النزاع والسلم على حد سواء. وإضافة إلى ذلك، تواجه النساء الصحفيات مخاطر محددة تشمل الاعتداءات الجنسية. وخلال العقد الماضي، لم تجر إدانة مرتكبي الاعتداءات ضد العاملين في وسائل الإعلام سوى في إطار قضية واحدة من أصل عشر قضايا، الأمر الذي يثير القلق. فالإفلات من العقاب يُشجع مرتكبي الجرائم وتكون له، في الوقت عينه، آثار رهيبة على المجتمع ككل، بما في ذلك على الصحفيين أنفسهم. والإفلات من العقاب يغذّي حلقة مفرغة، إذ يتشجّع مرتكبو الجرائم ضد الصحفيين عندما يرون الآخرين يفلتون من العقاب. وبقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين من دون عقاب إنّما يُوجّه رسالة سلبية للغاية مفادها بانّ نقل "الحقيقة المربكة" أو "الآراء غير المرغوب فيها" من شأنها أن يضع الأشخاص العاديين في ورطة. وإضافة إلى ذلك، يفقد المجتمع الثقة بنظامه القضائي الذي يتعيّن أن يحمي الجميع من الاعتداءات التي تطول حقوقهم. وان مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين يتشجّعون بالتالي عندما يدركون أنّهم قادرون على مهاجمة أهدافهم من دون أن يضطروا إلى المثول أمام العدالة أبدا." وكان قد مر علينا قبل فترة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، والذي أقرته الأمم المتحدة في الثلاثين من أغسطس، حيث تقول الأمم المتحدة عن هذه الظاهرة " يكثر استخدام الاختفاء القسري أسلوبا إستراتيجيا لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل. لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم تعد حكراً على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم. ومن المحزن أن زميلنا العزيز شهيد الكلمة جمال خاشقجي قد عانى الأمرين، فقد كانت تسعى السلطة السعودية لخطفه وممارسة الاخفاء القسري عليه، ويعاني حالياً بعد قتله من إمكانية إفلات المسؤول الأول عن قتله من العقاب. إن المجتمع الدولي اليوم أمام تحد مع ذاته لإثبات أن قراراته نافذة، ويسعى لتعزيزها وتحقيقها على أرض الواقع، لا مجرد مناسبات سنوية احتفالية. وعلى كل المؤسسات الإعلامية حول العالم أن تعتبر الثاني من نوفمبر هذا العام حدثاً استثنائيا، يكون المتحدث الأول فيه جمال خاشقجي، والحاضر الأول فيه جمال خاشقجي، والرسالة الأولى فيه جمال خاشقجي. علينا أن نوحد صوتنا للمطالبة بالقصاص من قاتلي جمال، والدفاع عن حق زملاء المهنة، في عقاب من يؤذونهم أولاً، وجعلهم عبرة لغيرهم لكي لا يفكروا فى القيام بما قاموا به. لم يعمل أحد في الصحافة دون أن يتعرض لمضايقات مباشرة أو غير مباشرة، في رزقه وأهله ونفسه، ورغم انسحاب الكثيرين من المجال، إلا أن الغالبية العظمى تقرر مواصلة جهاد الكلمة، ومن أجلنا ومن أجل مستقبل هذا العالم، علينا أن نحمي هؤلاء المناضلين، الذاهبين إلى المجهول من أجل مشاهد أو قارئ أو مستمع، ليزيد وعيه، ويدافع عن حقه، ويقول عنه ما لا يستطيع التعبير عنه، وينقل له ما لا يريد له أن يظهر. قال محمد الماغوط يوماً: " إن حرية التعبير والكلام والمعتقد مضمونة لجميع فئات الشعب ، ويستطيع أي مواطن عربي في أي بلد عربي أن يدخل على أي مسؤول، ويقول ما يشاء، ولكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى". وكأنه يقول هذا الكلام عن جمال خاشقجي والقنصلية. رحم الله جمال خاشقجي.. قال كلمته.. ومشى.. لكن صدى الكلمات.. سيبقى للأبد. [email protected]