28 أكتوبر 2025

تسجيل

الرضا بمعصية الله كفر

23 أكتوبر 2014

قال ابن عطاء الله السكندري "إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك. في الصحيح «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»[1] "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ"[2] سجل القرآن الكريم نموذجين من الخلق جمع بينهما كراهة معصية الله، وأشد ما يكرهون من المعاصي الإفساد في الأرض والاعتداء على الدماء والأعراض: الأول : الملائكة : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ "[3] لم يقولوا ذلك اعتراضا ، فالْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ لَا يَفْتُرُونَ مُشْتَغِلُونَ بِعِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. رِطَابُ الْأَلْسُنِ بِذِكْرِهِ وَتَعْظِيمِهِ يَتَسَابَقُونَ فِي ذَلِكَ مُذْ خَلَقَهُمْ، لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا يَسْأَمُونَ، لَا يُحْصِي أَجْنَاسَهُمْ وَلَا مُدَّةَ أَعْمَارِهِمْ وَلَا كَيْفِيَّةَ عِبَادَتِهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ/ وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ وَلَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ ودونك بعض ما قال الحق تبارك وتعالى فى أوصافهم "وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه"[4] " بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ "[5] فَهَذَا صَرِيحٌ فِي بَرَاءَتِهِمْ عَنِ الْمَعَاصِي وَكَوْنِهِمْ مُتَوَقِّفِينَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ إِلَّا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ وَالْوَحْيِ : " يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ"[6] " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ " وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ"[7] " يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ "[8] " وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ"[9] هذه كلها أوصاف للملائكة فهل مع هذه الأوصاف يقول قائل إنهم قالوا " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" اعْتِرَاضًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ هذا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ ، وذلك بعيد تماما، فلم يبق إلى أنهم قالوا ذلك كراهة لمعصية الله الْعَبْدَ الْمُخْلِصَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِمَوْلَاهُ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَبْدٌ يَعْصِيهِ. النموذج الثاني : مريم عليها السلام " فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا"[10] مريم عليها السلام ، جاءها روح الله، متمثلا فى صورة بشرية، فاستعاذت بالله منه لتقواه، فالمتقي هو الذي يُجير من استجار بالرحمن منه، لخشيته منه، فأخبرها بأنه رسول ربها إليها؛ لِيهَب لها غلاما زكيا، تقيا لا شقيا، فكان تعجبها من ذلك الخبر ولم يمسسها بشر،، والأصل في شعبة إِنْكَار المنكر بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَرَاهَةُ الْمَعْصِيَةِ ولو بِالْقَلْبِ وذلك فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلَا يَسْقُطُ أَصْلًا , ويقوى إلى أن يكون باليد أو باللسان، وأدناه القلب، وينكره بقلبه بأن يكره ذلك ويعزم أن لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله لأنه يجب كراهة المعصية فالراضي بها شريك لفاعلها - والرضا بالمعصية من أقبح المحرمات- وهذا القدر واجب على كل أحد[15] ومما يدل على وجوب كره المعصية وعدم الرضا بها حتى لا يكون شريكا لفاعلها ما ورد فى الحديث " «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ شَهِدَهَا وأَنْكَرَهَا فَهُو كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا ورَضِيَهَا كَمَنْ شَهِدَهَا» وعدم كراهية المعصية والرضا بها يُخل بالإيمان فالمسلم بعد مواسم الطاعات يداوم على الطاعات المطلقة وغير المقيدة بزمن دون آخر، حبا للطاعات وسائر ما يحبه الله، وبغضا للمعصية لبغض الله تعالى لها، سواء كانت الطاعة منه أو من غيره، وسواء كانت المعصية منه أو من غيره ـ فيكون متجردا لله تعالى، وله في ذلك قدوة بالملائكة، وبالصالحين من السلف الصالح.