12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحضور الأكبر لكاتبات الأطفال.. كيف نستثمره؟

23 أكتوبر 2014

بالتقصّي المبني على متابعتي واهتمامي بأدب وإعلام الطفل، وليس عن طريق بحث علمي دقيق، أكاد أجزم أن عدد كاتبات الأطفال أكبر من الكتّاب في عالمنا العربي. على سبيل المثال لا الحصر، تبين لي أثناء مراجعة قائمة القصص والأعمال المرشحة للفوز بجائزة عربية لكتب الأطفال واليافعين ستعلن قريباً أن 12 منها من أصل 14 عملا هي لكاتبات. بعد أن كتبت هذا المنشور على صفحتي على شبكات التواصل الاجتماعي، وصفحات تواصل أخرى معنية بالطفل العربي، أعلمتني باحثة سعودية متخصصة في مجال أدب الطفل (د. صباح العيسوي) في مساحة التعليقات أن ثمة أبحاثا تدعم ما ذهبتُ إليه، ومنها مقالة لها نشرت في مجلة كانو الثقافية العدد 1 نوفمبر 2008، ورسالة ماجستير أعدتها الباحثة وفاء السبيل عن قصص اﻷطفال في السعودية وصلت في نتائجها إلى هذه النقطة. وفي الاتجاه نفسه أكدت لي الأديبة والناشرة اللبنانية (أمل ناصر) من موقعها المهني والثقافي ما ذهبت إليه: (شخصيا خلال اطلاعي على ما ينشر من قصص في دور النشر، فإن الواقع يبين لنا أن نسبة الكاتبات أعلى من نسبة الكتاب، فيما يخصّ كتب الأطفال). واطلعتُ على مقابلة لأديبة الأطفال المعروفة فاطمة شرف الدين أشارت إلى أن "المرأة.. هي عمومًا الأقرب إلى الطفل خلال سنين عمره الأولى، هذا ما يجعل معظم كتاب أدب الطفل نساء". ومع إيماني الراسخ بأنه عند الكتابة تزول الفوارق، فنتحدّث عن نصّ ناجح مبدع بقطع النّظر عن جنس كاتبه، وأن الإبداع لا يفرّق بين جنس وغيره، وليس مقتصرا على جنس دون الآخر، ولا ينحاز إليه بصفة مطلقة، إلا أنني لا أجد غرابة في تفوق نسبة أديبات وكاتبات الأطفال على أدباء وكتاب الطفل، بحكم أننا تعوّدنا منذ نعومة أظفارنا أن تحكي الجدات والأمهات لنا الحكايات، وبخاصة قبل النوم، كما أن كثيرا من هؤلاء الكاتبات تربويات ومعلمات ـ بناء على استقرائي الإعلامي أيضا ـ وهو ما يجعلهنّ الأقرب إلى عالم وهموم الطفل، والأقدر على معالجتها من خلال الإبداع القصصي. لعلّ هذا التقصي الخاص قد يكون مفيدا لجملة أمور من أهمها: ـ نسبة تفوق الكاتبات عدديا، وإصدار بعضهن لأعمال أدبية ناجحة للأطفال، مرتبط بصورة من الصور بقربهنّ من عالم الأطفال، بحكم أن المرأة هي الأم أو المعلمة (خصوصا في رياض الأطفال والمرحلة الأولى من الابتدائية أو المربية) والحاضنة، وقد ذكرت لي أديبة أطفال أن كثيرا من زميلاتها بدأن الكتابة بعد أن أنجبن أطفالا، فيما قالت أكثر من كاتبة للأطفال في حوارات أجريتها معهن، إنهن دخلن بوابة الكتابة من خلال التعليم، وبالتالي قد يكنّ الأقدر على فهم عالم الطفل والأصدق في التعامل معه، والتعبير عن همومه ومشاكله، ويستنتج من ذلك أن نجاح أي عمل للأطفال يجب أن يكون ملامسا لهموم هذه الشريحة وتطلعاتها، ومعالجا لمشاكلها بصدق، بعيدا عن الكتابة الفوقية التي قد تصاغ في أبراج عاجية، أو معالجة مسائل افتراضية أو هامشية. ـ إنّ الكتابة للأطفال عملية معقدة وتحتاج إلى إطلاع أوسع وموهبة أكثر تميزاً وخيال أكثر خصوبة، ذلك أن كاتب الأطفال يحتاج إلى اطلاع على علوم إضافية مثل التربية وعلم النفس، صحيح أن أي كاتب أو روائي يحتاج إليها، حتى من يكتب للكبار، ولكن الحاجة أكثر إلحاحا عند الكتابة للطفولة لأنها ترتبط بالتنشئة والتعليم وتشكيل الشخصية واكتشاف المواهب وتنميتها وصقلها.. إلخ. وهذه الأمور قد تتوفر للبعض من خلال الاطلاع من خلال القراءة والتعلم الأكاديمي العلمي أو من خلال الممارسة والدربة كما في حال الأمهات والمربيات. ـ أهمية القصص والحكايات والسرد الشفوي لها ودورها في تربية وتعليم وتوعية الأطفال، مثل قصص ما قبل النوم والتي تروى خصوصا على ألسنة الأمهات والجدات، وفي اﻷدب الغربي نماذج لكتاب جاءت أفكار أعمالهم من قصص ما قبل النوم ﻷبنائهم مثل الكاتب A. A. Milne. ـ طالما أن المرأة بحكم استعداداتها الفطرية مهامها الأسرية والتربوية قد تتوفر لها ككاتبة ما لا يتوفر للرجل الكاتب من فرص نجاح في الإبداع والتأثير من خلال الكتابة، فلم لا نوجه النساء ممن يمتلكن الرغبة والمقدرة والهواية الأدبية للكتابة للطفل ونشجعهن على ذلك، ويستثمر المجتمع هذه القيمة المضافة. الاستقصاء الشخصي ـ الذي يؤكد النسبة المتفوقة لكاتبات الأطفال التي تم التنويه إليهاـ آمل أن يغري الباحثين والمهتمين لعمل دراسات رقمية، أكثر دقة حول هذه الظاهرة، التي أعتبرها منطقية وربما صحية، على مستوى العالم العربي والعالم، وذلك للتثبت من نسبها، ودراسة إمكانية الإفادة منها بصورة أوسع وأفضل.