17 سبتمبر 2025

تسجيل

بين ديكنز ومحفوظ 1

23 أكتوبر 2013

يؤكد الكثير من المثقفين – خاصة النقاد منهم والأدباء – على أوجه الشبه بين أديبنا العظيم نجيب محفوظ والأديب البريطانى تشارلز ديكنز الذى إحتفل العالم بالمئوية الثانية لميلاده منذ شهور حيث أنه من مواليد يوم الجمعة الموافق السابع من فبراير عام 1812 فى مدينة ساحلية صغيرة بانجلترا تسمى " بورتسى " .. حيث أن كلاهما نال من الشهرة ما لم يحظ به أديب آخر فى عصره . الفارق الزمنى بينهما قرن من الزمان بالتمام والكمال .. فقد احتفل العالم – والعرب والمصريون على وجه الخصوص – فى ديسمبر 2012 بمئوية نجيب محفوظ . وكلا الأديبين تُرجمت أعمالهما إلى جميع لغات العالم تقريبا .. وكانت نبعا لم ينضب معينه حتى الآن لكُتاب المسرح والسينما والتليفزيون .. برغم أن صناعة السينما – ناهيك عن التليفزيون – لم تكن قد بدأت بعد فى عصر ديكنز .. وهو ما يؤكد على أهمية وروعة ما يكتبان . ولكن ما هى أكثر السمات المشتركة بين الأديبين العظيمين ؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نلقى بعضا من الضوء على الأديب الإنجليزى الأكثر شهرة فى زمانه على الإطلاق .. وخلال ذلك سوف نستنتج بأنفسنا تلك السمات . اسمه بالكامل " تشارلز جون هوفام ديكنز " .. وكان والده موظفا بسيطا فى الميناء وله ثمان أولاد كان ترتيب تشارلز الثانى بينهم .. وكان ضعيف البنية نحيف الجسد إلى الحد الذى جعله يبتعد عن اللعب العنيف مع أقرانه ويميل إلى القراءة والاطلاع .. فكان يقرأ كل ما يصادفه من كتب فى هذه السن الصغيرة حتى أدمن القراءة إدمانا ظل يرافقه حتى الممات .. لدرجة أنه لم يترك شيئا لم يقرأه أو يطلع عليه حتى كتب ألف ليلة وليلة وقصص الجان .. ألا يتشابه فى هذا مع محفوظ ؟ كانت طفولة ديكنز تعيسة إلى حد كبير بسبب قلة دخل والده وتراكم الديون عليه ودخوله السجن مما اضطره إلى ترك الدراسة والعمل فى أحد مصانع الورنيش وبعدها عمل فى مكتب للمحاماه .. ودام ذلك عدة سنوات حتى آلت إلى والده ثروة صغيرة مكنته من تسديد ديونه وإلحاق ابنه – تشارلز – بإحدى المدارس الراقية .. وعاد إلى الدراسة أكثر شوقا بعد أن صقلته سنوات العمل فدرس الآداب والعلوم وتمكن من تشكيل فرقة مسرحية صغيرة لإشباع هوايته فى التمثيل . وفى أثناء دراسته الثانوية فى تلك المدرسة الراقية راسل بعض الصحف وكتب فيها ومهد ذلك الطريق أمامه على أن يعمل محررا فى إحداها وهو فى الثالثة والعشرين . والجدير بالذكر أن تلك السنوات حفرت فى وجدان ديكنز آثاراً كانت ذات فائدة عظمى فى إنتاجه الأدبى فيما بعد فتجده فى كتاباته يصف كل ما يتعلق بالمحاكم وقاعاتها وجلسات المحاكمات والمرافعات ببراعة ودقة منقطعة النظير .. وأزعم أنه لم يجاريه فى ذلك أديب آخر . ليس هذا فحسب ولكنه تأثر بالشخصيات التى قابلها فى مسيرة حياته أثناء عمله فى فترة الصبا وظهرت تلك الشخصيات فى أعماله الأدبية لاحقا ومنهم صبى اسمه بوب زامله فى مصنع الورنيش ثم ظهر لاحقا بنفس الإسم والشخصية فى روايته الشهيرة " أوليفر تويست " . ونرى هنا أوجه الشبه بين محفوظ وديكنز من حيث التأثير القوى للبيئة التى نشأ فيها كل منهما مع الفارق طبعا .. والقدرة الفائقة لكليهما على الوصف الدقيق لتلك البيئة لدرجة تجعل القارئ يكاد يعيش فى تلك البيئة مع هذه الشخصيات الواقعية دائما .. فبينما نجد محفوظ يجعلنا نتعايش مع الفتوات والحرافيش فى الحارة ومع التجار فى الحمزاوى وطبقة الموظفين فى العباسية فإن ديكنز نجح فى أن يجعلنا نعيش مع الطبقة الفقيرة والأطفال المحرومين من النقود والعطف والتعليم والأيتام فى الملاجئ وسط أحياء لندن المتسمة بالفقر المدقع فى تلك الآونة وهم ما يطلق عليهم أطفال الشوارع بلغة هذه الأيام وبالقدر نفسه جعلنا نتعايش مع المحامين والمتقاضين والمجرمين واللصوص فى أروقة المحاكم الإنجليزية فى تلك الفترة .. وكانت لديه – كما لدى محفوظ – القدرة على وصف الجمال وصنعه من قبح الحياة وحسنها على السواء وكذلك فتنة الحكى بلغة سلسة تملك لب القارئ . نتوقف عند هذا الحد على أمل اللقاء بكم فى المقال القادم لنتعرف على المزيد من أوجه الشبه بين ديكنز ومحفوظ وأهم ما تركه ديكنز للبشرية من كنوز . وإلى اللقاء فى مقالنا الجديد بحول الله .