11 سبتمبر 2025

تسجيل

العنصرية كاستعداد فطري وخلق مكتسب.. ووسائل مواجهتها

23 سبتمبر 2023

كتاب يتناول العنصرية كظاهرة شهد عليها المجتمع الإنساني منذ القدم، والتي لا تزال جاثمة بثُقلها فوق جسد الألفية الثالثة رغم الجهود الحثيثة التي تم بذلها حتى الآن من أجل تجاوزها إلى مرحلة ما بعد العنصرية! يبحث هذا الكتاب في أصل العنصرية كاستعداد فطري يولد بولادة الإنسان، وكخُلُق مكتسب يُفعّله التدخل البشري وتؤسس له ثقافات الشعوب المختلفة باختلاف مذاهبها ومشاربها، وذلك من خلال عرضه الكثير من التجارب والدراسات والأبحاث التي تناولت هذه الظاهرة. لذا، يسعى الكتاب في طرحه نحو إيجاد أكثر الحلول جدية وعملية في نبذ العنصرية، إذ أن اعتماد منهجية (عمى الألوان) وحسب لا يكفي للتغاضي عن لون البشرة المتفاوت بتفاوت الأعراق وراثياً وجغرافياً، بل تكمن الموضوعية في المشاهدة المباشرة وصدق الإقرار بدرجاتها، ومن ثم التعامل مع أصحابها على أسس طبيعة لا تعكس أي تمايز أو أفضلية لعرق على آخر. ينقسم الكتاب الذي حمل سؤالاً مباشراً لعموم البشر (هل نولد عنصريين؟) إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يندرج تحت كل منها مجموعة من المقالات بقلم عدد من الكتّاب والأساتذة والأطباء الحاصلين على درجة الدكتوراة في مجالاتهم العلمية، وقد جاء عنوانه الفرعي معبّراً في (اضاءات جديدة من علم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي). فبينما يلقي القسم الأول الضوء على ما أسماه بـ (سيكولوجية جديدة للعنصرية)، ويحاول القسم الثاني (التغلّب على التحيز)، ينتهي القسم الثالث بالدعوة إلى (تقوية مجتمعنا متعدد الأعراق). وعن مراجعة الكتاب، فتعتمد على طبعته الأولى الصادرة عام 2020 عن (منشورات تكوين للنشر والتوزيع)، والذي عنيت المترجمة المصرية (جهاد الشبيني) بترجمته بحِرَفية من نصّه الأصلي، وهي تشتمل على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): توضّح مقدمة القسم الثاني في الحديث عن تقنية عمى الألوان، بأن الإحساس بالعرق من عدمه ليس هو جذر التحيّز العنصري في حقيقته، إنما كيفية الإحساس تجاهه، حيث إن اتخاذ لون الجلد كمعيار للمفاضلة العرقية ومن ثم الوسم بالدونية هو أمر «مشروط اجتماعياً»، بينما معاينة لون الجلد كما هو، هو أمر «محتّم إدراكياً».. وبين التوجهين فرق جوهري! ليس هدف الإنسانية الواقعي ممارسة التعمية عن تلك الاختلافات الطبيعية بين أعراق الجنس البشري، بل في التواؤم مع الطريقة التي تستجيب فيها الأدمغة تجاهها، وإدراك الأسباب المؤدية إلى توجيه تلك الاستجابة على النحو المطلوب. أما في موضوع (العقل المساواتي)، ومن خلال مشاركة عدد من الأفراد في تجربة تتعلق بالتحيز العرقي، تخلص عالمة نفس في أن ردود الأفعال المتحيزة التي تصدر تلقائياً من مشاركين صُنّفوا كأقل تحيّزاً، تعمل فيما بعد على تنبيه المستثيرات العنصرية لديهم، بحيث تتسم ردود أفعالهم في تجارب أخرى بحرص أكبر درجة، إذ أن «المساواتية مهارة». ومن الممكن جداً أن يطوّر الأفراد سلوكياتهم من خلال تعلّم طرق استجابة غير متحيّزة نحو المواقف المختلفة، كما ينبغي تحفيز جهود قوية تستهدف تنظيم السلوك مستقبلاً بعد أي تجربة تنتهي بالفشل في التصرف من غير تحيّز. فتضرب مثلاً قائلة: «لنقل مثلاً أنك مازحت زميلك بدعابة جاءت عنصرية دون قصد: «مرحباً، أفضل دائماً أن يكون معي في فريق كرة السلة رجل أسود». بعدها، ينتابك شعور بالذنب ـ وهو مرتبط بالعمليات العصبية التي تساعدك مستقبلاً على التفكير مرتين قبل التحدث. وبالنسبة إلى من يشعرون بقلق إزاء النوازع العنصرية غير الواعية، تقدم هذه القدرة على التعلم من أخطائنا سبباً للتفاؤل». ومن خلال الحديث عن المجتمع الصحي في موضوع (العنصري غير الصحي)، يبدو أن الاضطرار للتصرف بأسلوب غير عنصري يشكّل عامل ضغط يُضاف إلى ما يتعرّض له الإنسان من ضغوط نفسية في حياته اليومية! بيد أن العلاج الفعّال يتطلّب تغييراً ذاتياً بادئ ذي بدء. إذ أن «إضمار العنصرية في مجتمع متعدد الثقافات يتسبب في ضغط يومي، الضغط الذي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات مزمنة مثل السرطان وارتفاع ضغط الدم وسكري النوع الثاني. وعلى الرغم من أن التفاعلات بين الأعراق المختلفة ليست أمراً ضاغطاً في طبيعته، فإن الأشخاص الأقل تحيزاً يظهرون استجابات فسيولوجية مختلفة اختلافاً ملحوظاً عند التعامل مع أعراق أخرى. وفي هذه الدراسات الثلاث، كان الأشخاص الذين يحملون توجهات إيجابية تجاه غيرهم من المنتمين إلى أعراق أخرى يستجيبون بطرق سعيدة وصحية ومتكيفة عند التعامل مع أعراق مختلفة». ختاماً، قد يتفق الكثيرون مع الرأي القائل بصعوبة التحكّم في الاستجابات الإدراكية التي تصاحب الوهلة الأولى في التعامل مع أي فرد.. الوهلة التي باتت تتطلّب -في التو واللحظة- تمحيص المعتقدات والأعراف والافتراضات الكامنة عميقاً في النفس البشرية والتي غُذّي بها الإنسان وعليها نشأ وكبر واعتاد.. غير أن الأمر يستحق كما لا يستحق أي شيء آخر انتهاج أسلوب نوعي في التفكير والسلوك، والذي من شأنه أن يعمل على خلق بيئة أكثر تعايشاً وأكثر إنسانية، تسع كل البشر.