19 سبتمبر 2025
تسجيلالفرق بين رأسمالية الدولة والدولة الرأسمالية كالفرق بين الفوضى والتنظيم او بين الاجحاف او الظلم وبين حسن توزيع الثروة بأكبر قسط من العدالة، حيث العدالة الكاملة شكل طوبائي لا يقوى ولا يستطيع بشر اتيانه، لعلي استطيع ان اقرر وبارتياح أن جميع اشكال الديكتاتوريات والانظمة التسلطية في العالم قديما وحديثا كانت مرتعا خصبا لرأسمالية الدولة وهي شكل من الاحتكار تحميه القوة وتدافع عنه الشعارات الرنانة. فالاتحاد السوفييتي السابق كان شكلا من اشكال رأسمالية الدولة حيث كان اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم يتنقلون بين المصايف والمصحات ويملكون افخر انواع السيارات كما اشارت التقارير بعد الانهيار الكبير لذلك النموذج الديناصوري من الامم، في حين ان الشعب لا يحق له التملك واكتناز الثروة، هذا الشكل من اشكال الانحراف السياسي والتورم الانساني الطبقي النخبوي لا يزال موجودا وان اكتسى بقشر غير سميك من الشعارات الديمقراطية مراعاة لمتطلبات العصر. بينما الدولة الرأسمالية الحقيقية لابد ان تفرز نمطا ديمقراطيا حقيقيا، والدولة الديمقراطية الحقيقية لابد ان تكون انتاجا لنمط رأسمالي حقيقي لهذا التوازن التاريخي بين الديمقراطية والرأسمالية انتجته المجتمعات الغربية خلال عقود من التطور والتوازن والتعايش. الا انه مع نهاية القرن العشرين المنصرم اختطت بعض الدول الرأسمالية الكبرى وهي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا خطا حديا للنموذج الرأسمالي افقدها هذا التوازن فازدادت الفروق بين الطبقات الاجتماعية فبدأ نموذج رأسـمالية الدولة يلوح في الافق ولكن سقوط الشيوعية جعل الاحزاب الاشتراكية اليسارية سابقا تغير من اسلوبها وتدخل التحسينات على برامجها بشكل يعيد للانسان خصوصيته ويراعي غريزته وطبائعه، الامر الذي جعلها تعود من جديد الى الحكم في جميع الدول الرأسمالية الكبرى تقريبا بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، حيث إن الحزب الديمقراطي هو حزب الاقليات الذي يقارب ما يسمى في المجتمعات الاشتراكية الطبقات الكادحة. ما اود التركيز عليه هو ان رأسمالية الدولة تتكون حينما لا يكون هناك نظام ديمقراطي من الاساس وان بدأت تتشكل بعد قيام هذا النظام فله القدرة على اسقاطها اعتمادا على رأي وحق الاغلبية. اشكالية نموذج رأسمالية الدولة تتمثل في عدم اكتمال تطور المجتمع واجهاض عملية التنمية داخله وهو الى حد كبير نظام انتهازي يبدأ بملء الجيوب من الثروات في حين ان الشوارع مزدانة بشعارات الانجاز والعدل والامن وينتهي بازدياد الفقراء فقرا. ان الدولة الرأسمالية انجاز تاريخي اما رأسمالية الدولة فهي انحياز تاريخي مع غياب الضمير والمحاسبة حتى ينقلب الشارع وتشتعل الارض نارا (اندونيسيا مثالا). ان دولة الرفاه التي تلفظ انفاسها اليوم يمكن ان تكون بداية حقيقية لاقامة دولة الرأسمالية الحاضنة للديمقراطية اذا ما احسنت استخدام هذا الرفاه لسد الفروقات بين الطبقات واقامة طبقة وسطى ضرورية لقيام الرأسمالية الحقيقية واسنادها حتى تعتمد على نفسها. لذلك فإن امام دول الرفاه الريعية بالذات (لان هناك دول رفاه ديمقراطية كالدول الاسكندنافية حيث استطاع النظام الضريبي الفعال اعادة توزيع الثروة بين الطبقات) احتمالين لا ثالث لهما بعد الانتقال من نموذج دولة الرفاه وهما: الاول بروز رأسمالية الدولة واحتكارها كما اشرت الى ذلك سابقا، فلابد اذن من الدخول في حلقة التخلف من جديد وان كانت لم تخرج منه بعد، فالمستقبل بالتالي شائك وحظوظ التصادم تتزايد عاما بعد آخر، انه البديل او الخيار القاتل للتطور وبؤرة صراع دائم ومستمر لا ينتهي حتى يبدأ من جديد. الاحتمال الثاني: اقامة النموذج الديمقراطي وهذا يتطلب كما اشرت قيام الدولة الرأسمالية ومكونها الفعال الطبقة الوسطى وهو النموذج العصري الذي ينبذ التصادم ويعيد انتاج وتداول الحل والخيار السلمي داخل المجتمع ويبقى ان اشير الى نقطة جوهرية لابد من ذكرها هنا وهي اهمية ادراك القيادة الواعية في نموذج دولة الرفاه الريعية خطورة الاحتمال الاول ورجحان تطبيق الاحتمال الثاني لديها اي أن تلك القيادة التي تؤمن بخلود الانجاز والرمز اعظم من ايمانها برغد العيش والحياة الباذخة القصيرة مهما امتد بها الاجل. [email protected]