30 أكتوبر 2025

تسجيل

الاستثمار في رأس المال البشري

23 سبتمبر 2018

نماذج التنمية يجب أن تشارك في تحمل الأعباء شهدت الدوحة الأسبوع الماضي تنظيم ندوة حول "التنويع الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي: دروس الماضي وتحديات المستقبل" نظمها مركز بروكنجز الدوحة، حيث شهدت حوارات تعمقت في أسباب  إخفاقات مسارات التنويع الاقتصاد في دول التعاون الخليجي وخلصت إلى ضرورة تغيير نموذج التنمية الراهن. ووفقا للدكتور خالد الخاطر، الباحث في معهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كمبردج، فإن الإصلاح المطلوب لهذا النموذج يجب أن يستهدف تغيير هيكل الحوافز في الاقتصاد لتشجيع التحول من نمو يرتكز على كثافة عوامل الإنتاج إلى نمو يعتمد على زيادة إنتاجية عوامل الإنتاج الموجودة وذلك من خلال تراكم رأس المال البشرى والاستثمار المكثف في هذا المورد المحوري. ومن وجهة نظرنا فإن هذه الدعوات تنطوي على مراجعة مؤشرات ومعايير التنمية الاقتصادية بالاستناد بصورة أكبر على درجة تطور مؤشرات التنمية البشرية والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية الفعلية للمواطنين في برامج التنمية تخطيطا وتنفيذا. لقد تملكت دول التعاون خلال العقود الماضية موارد مالية ضخمة مكنتها من تحقيق معدلات نمو جيدة في مجال تحديث البنى المادية والخدمات الاجتماعية. وقد فاقت هذه المعدلات بشكل ملحوظ - إن لم نقل كبير - معدلات التنمية البشرية. ونعني بهذه التنمية هنا تحديداً دمج المعارف والإنجازات الاقتصادية المتحققة بالبيئة المحلية (مناهج التعليم ومعاهد التدريب والكليات التقنية وأجهزة اقتصادية توجيهية واستشارية) وتمكين العنصر البشري من امتلاك هذه المعارف والإنجازات وتحويلها إلى معارف وإنجازات وطنية (بمفهوم تملك المعارف والتقنيات الملازمة لها والناجمة عنها من قبل أجيال متعاقبة) وبالتالي أيضاً ضمان تطويرها والبناء عليها في جهود إبداعية وتطويرية مما يجسد مفهوم المشاركة الاجتماعية الذي نشير إليه. كما أنه كانت هناك جهود كبيرة في مجال التعليم بكافة مراحله، وامتلأت مؤسساتنا وشركاتنا وأجهزتنا الحكومية بالشباب المتعلم. لذلك، فإن المطلوب حالياً تطوير قدرات البلاد في إخضاع حلقات التنمية الرئيسية - وخصوصاً المستقبلية منها - تحت سيطرتها الكاملة وأن تكون قادرة تقنياً وعلمياً على توجيهها الوجهة التي تريدها مستقبلاً. كما أن نماذج التنمية يجب أن تتجه نحو تكريس واضح لمبدأ المشاركة في تحمل المسئولية والأعباء. فعندما تتوجه الدولة إلى تسعير بعض الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تقدم في السابق بأسعار مدعومة من الضروري أن يتزامن مع ذلك تطوير الوعي والثقافتين الخاصتين بالمشاركة الاجتماعية. كذلك الحال بالنسبة لربط الدخل بالإنتاجية والكفاءة إذ بات من الواضح ضرورة وجود هذا الربط وهو موضوع قائم بذاته وبحاجة إلى التعمق والدراسة. أيضاً الحديث ينطبق على الكثير من المهن الحرفية والمتوسطة التي ظلت حتى أمد قريب بعيدة عن هوى المواطنين ورغباتهم مما استدعى رفع شعارات مثل إعادة التأهيل الثقافي والاجتماعي لدى الشباب من أجل تقبل هذه المهن. والموضوع بطبيعة الحال مرتبط بعناصر أخرى وخاصة تحسين شروط العمل والرواتب وسن القوانين الاجتماعية التي تزيد من جاذبية هذه المهن. إن التنمية القائمة على مفهوم المشاركة الاجتماعية لا يجب أن تنصرف إلى مفهوم تحميل المواطنين جزءاً من النفقات الحقيقية لتشغيل مرافق البنية التحتية في إطار مجرد ومجزأ، بل يجب أن تنصرف إلى مشاركة المواطنين في تحمل المسئولية المباشرة في صيانة وتسيير المرافق الخدمية في الحي الذي يقيمون فيه، والطريق الذي يستخدمونه والمستشفى والمدرسة والنادي التي تقدم خدماتها إليهم. كما يجب أن تنصرف إلى إقامة توازن واضح بين العبء والمردود المقابل بحيث يتم الحفاظ على الهدف العام وهو إبقاء وتطوير مستويات المعيشة للمواطنين.