14 سبتمبر 2025
تسجيلوسط حوارات ساخنة وضغوط اقتصادية وسياسية كثيفة ومتنوعة ومتعارضة بين مؤيدين ومعارضين عديدين، حسم مجلس إدارة البنك المركزي الأمريكي تلك القضية الشائكة التي شغلت العالم أجمع، حينما قرر في اجتماعة الأخير الذي عقده هذا الأسبوع الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير أي عند 0.25% ومن ثم تأجيل رفع أسعار الفائدة إلى وقت لاحق من هذا العام، وهو الأمر الذي أكدته السيدة "جانيت يلين" رئيس البنك بعد الاجتماع مباشرة بأنه سيكون من الملائم رفع أسعار الفائدة وبدء عودة السياسات النقدية إلى طبيعتها قبل نهاية هذا العام، وفي أعقاب الإعلان عن الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير انخفضت قيمة الدولار لأدنى مستوياته خلال شهر مضى.ويرى الرافضون لقرار رفع أسعار الفائدة أن البلاد تمر بطفرة جيدة من التعافي الاقتصادي وأنها أصبحت مستعدة لأول مرة منذ زمن طويل للتخلي عن السياسات النقدية الاستثنائية وغير التقليدية، ومن ثم فإنها جاهزة الآن لرفع أسعار الفائدة، مدللين على ذلك بانخفاض طلبات إعانة البطالة إلى أدنى مستوياتها، وإلى ارتفاع وتيرة الإنفاق الاستهلاكي وزيادة مبيعات السيارات في هذا العام بنحو 17.7 مليون سيارة وأرجعوا الفضل في ذلك إلى قوة وتعافي الاقتصاد وإلى النمو السكاني وكذا التمويل المصرفي البسيط والمٌيسر.فيما يبرر المؤيدون لهذا القرار بما يحدث من تباطؤ وانكماش بدول الاقتصادات الناشئة وفي مقدمتها الصين التي إضطرت لخفض قيمة عملتها الشهر الماضي كي تزيد من حجم وقيمة صادراتها ، بالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي في كل من أوروبا واليابان فى رسالة واضحة على أن النمو العالمي مازالت تواجهه الكثير من مخاطر التقلب والتدهور وإنخفاض أسعار السلع، بما يعني وجود مخاطر خارجية عديدة على الاقتصاد الأمريكي.ويرى هؤلاء المؤيدون كذلك أن رفع أسعار الفائدة سوف يؤدي إلى زيادة قيمة الدولار "القوي بالفعل" بما يعني ضعف القوة التنافسية للصادرات الأمريكية ويزيد فى نفس الوقت من مصاعب سداد الكثير من الدول لديونها المقومة بالدولار الأمريكي القوي، كما يتخوفون كذلك من حدوث إرتفاعات كبيرة وسريعة لأسعار الفائدة فى أعقاب رفع البنك المركزي الأمريكي لها للمرة الأولى بعد الانتهاء من الفترة الاستثنائية الطويلة التي ظلت خلالها الأسعار منخفضة جداً وتقترب من الصفر.ويؤكد هؤلاء المؤيدون لإرجاء رفع أسعار الفائدة على أن النمو الأمريكي ليس عظيما وعلى أن الأجور مازالت منخفضة نسبياً ، بالإضافة إلى انخفاض معدل التضخم بالبلاد وبجميع دول الاقتصادات المتقدمة بسبب هبوط أسعار النفط، وهو المعدل الذي يقل كثيراً عن المعدل المستهدف من قبل المركزي الأمريكي والذي يُقدر بنحو 2% ، مع التأكيد على أن التضخم سوف ينخفض أكثر مع رفع أسعار الفائدة وتضييق السياسات النقدية وسوف ينخفض أكثر وأكثر طالما استمرت عملات الصين والاقتصادات الناشئة في الهبوط.لذا فقد حذر الكثير من الخبراء والمحللين بأن رفع أسعار الفائدة الأمريكية سوف يؤدي إلى تهديد الأهداف الرئيسية للبنك المركزي الأمريكي والمتمثلة في المحافظة على معدل تضخم يلبي طموحات المجتمع وخفض معدل البطالة وتحقيق الاستقرار المالي، ومع التيقن بأن رفع أسعار الفائدة سيعمل على خفض معدل التضخم عن المستوى المستهدف فإن تضييق السياسات النقدية سوف يؤثر سلباً على مستويات التوظيف والعمالة، حيث سيؤدي سعر الفائدة المرتفع إلى احتفاظ المستثمرين بالنقدية بدلاً من استثمارها، ويؤكد هؤلاء الخبراء كذلك على أن رفع أسعار الفائدة في الوقت الراهن لم يعد مجدياً لتحقيق الاستقرار المالي وخاصة في ظل زيادة تكلفة الائتمان والتوقعات السلبية المرتبطة بالاقتصادات الناشئة وفي مقدمتها الصين وانتشار المخاوف بشأن السيولة وتزايد التوقعات بحدوث تقلبات اقتصادية حادة في المدى القصير.ويؤكد العديد من الخبراء على أن تحقيق معدلات نمو جيدة ومرتفعة عادةً ما تتحقق في ظل أسعار الفائدة المنخفضة ، وهو ما ينادي به مصدرو السندات المختلفة وخاصة ما كان منها مرتبطاً بالنشاط الصناعي، وأنه لابد من وضع سياسات اقتصادية ونقدية جديدة تعتمد على تشجيع وجذب الاستثمار بشعبتيه الخاص والعام، بما يعمل على تحقيق رفع حقيقي لأسعار الفائدة بالتوافق مع نظرية العمالة الكاملة أي خفض معدل البطالة بشكل ملموس وفعال، ويرى هؤلاء الخبراء بأنه ما لم توضع هذه السياسات موضع التنفيذ، وما لم يرتفع معدل التضخم، فإنه لا يوجد سبب أو مبرر واضح لرفع البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة.