13 سبتمبر 2025
تسجيلما الذي يجبر جماعة أو تنظيما وليدا أو حتى حركة سياسية إلى انتهاج العنف والأعمال الدموية منذ أول ظهور لهم على الساحة السياسية، مطبقين المثل الشعبي القائل " أول ما شطح نطح"؟ والإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى إجابات مستفيضة عما قبل وأثناء وبعد النشوء والظهور والسيطرة لتلك الجماعات والخلفيات الفكرية والعقائدية وكم هو مقياس الوعي لديهم، ليس داعش الوحيد، فلنتذكر الجيش الجمهوري الإيرلندي وحركة إيتا في إسبانيا وغيرها.ما يحدث أخيرا لدى التنظيمات القتالية باسم الدين هو صورة جديدة من صور النزاع البشري المتوحش في منطقتنا العربية على مرّ العصور وينابيع الدم التي أزهرت تطرفا، كما أنه صورة لحملات الإمبراطوريات الأوروبية الغازّية على بلادنا وعن مملكة فرناندو في إسبانيا ومحاكم التفتيش التي أبيد فيها المسلمون واليهود، ومثلها اليوم عمليات الإبادة التي تمارس ضد المسيحيين والمسلمين في بورما وسريلانكا من قبل جماعات بوذية متطرفة.إن من ينظر إلى التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي والحياتي العالمي الهائل والمخيف أحيانا لا يمكن أن يصدق أن هناك بشرا ما زالوا يمارسون القتل الجماعي والتشريد بكل تلك الوحشية باسم الدين والطائفة والعرقية، فهل يمكن لإنسان أن يصدق أن طبيبا يمكن أن يقتل مريضا لأنه يريد أن يريحه من الألم، يمكن أن نصدق أن مشعوذا فعلها، لأن المشعوذ يؤمن بأن هناك شيطانا داخل جسم المريض، ولكن أحيانا تلعب الدول الكبرى وجيوشها دور المشعوذ السياسي، فتهاجم بلدا لتخلصه من الشيطان وتترك الشياطين تفتك ببلد آخر والجميع يشاهده.ما فعلته إسرائيل في آخر حروبها وعلى مرّ 52 يوما ضد الفلسطينيين في غزة وقتلت فيه 2200 شهيد وجرحت عشرات الآلاف ودمرت 11000 منزل وأحياء بأكملها، ليس بأقل ما تفعله داعش في المثلث التركي السوري العراقي، ومع هذا لم تهددها أي دولة عظمى ولم يحاسبها أحد، بل عوقبت الجهاد الإسلامي والمقاومة وحماس على مواجتهم لها.وبالمناسبة تمر علينا هذه الأيام الذكرى العشرين لمذابح المسلمين في البوسنة والهرسك في سراييفو وسبرينيتشا وغيرها على أيدي قوات الصرب ووحوش الجيوش الخارجة من جلد الشيوعية للتو، حيث طرد 2 مليون و200 ألف بوسني عن أراضيهم، وتمت مهاجمة المسلمين تحديدا " البوشناق" وبشكل ممنهج أحرقت بيوتهم ونهبت ممتلكاتهم، وتعرض البوسنيون إلى مذابح فضيعة قدرتها المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ 200 ألف مسلم واغتصاب جماعي للنساء وصل إلى 60 ألف امرأة كن في السجون الجماعية وتشريد مليون 800 ألف عن بيوتهم وأسدل اتفاق"دايتون" الستار على جريمة العصر.مذبحة سبرينيتشا التي قيل أن 8آلاف رجل قتل فيها قبل اكتشاف مقابر جماعية أخرى كانت تحت نظر قوات الأمم المتحدة والقوة الهولندية التي اتهمت بأنها ساعدت الصرب، وهذا لا يشكل وصمة عار للعالم المتمدن فحسب، ولا إدانة للأمم المتحدة بزعامة المصري الأمين العام بطرس غالي، بل إنها كانت بوابة الجحيم لمنظومة الدول التي اتهمت بدعم إرهاب الجيوش والوقوف مع طرف ضد الآخر، فمن بوابة البلقان خرج المجاهدون إلى أصقاع الأرض، وعاد"الأفغان العرب" إلى بلادهم أو إلى العراق الذي كان محاصرا من قبل مجلس أمن الدول العظمى وأطفاله يموتون نتيجة نقص الغذاء والدواء، وكانت مذبحة ملجأ العامرية الشهير 1991 التي قتل فيها مئات النساء والأطفال، وأعلن الأردن الحداد عليهم ثلاثة أيام وطالب بتحقيق دولي برئاسة إسبانيا آنذاك ولم يحدث شيء حتى اليوم.كان من الطبيعي جدا أن تخرج جماعات ليس من الضروري أن تكون من أولياء الله الصالحين ولا من الأئمة أو المسلمين المتطرفين لتحارب بكل كراهية ضد جيوش أمريكا وأوروبا أو من تحالف معهم، ومن هنا بدأ وحش الانتقام يتضخم ويحفر ينابيع دم جديدة وتتشكل تنظيمات متمددة لن تنتهي، بل سيتجدد نشوء هذه الجماعات مهما وصفت بالإرهابية، فأعضاؤها لا يهمهم أي وصف فهم قرروا أن يقاتلوا عدوا ولا بأس إن قُتلوا على يديه، ولكن على القوى العظمى أن تتخلى عن الاصطفاف الحربي الفوضوي ضد كل ما هو عربي ومسلم، وتدعم سياسات التنمية والديمقراطية الحقيقية في الجمهوريات العسكرية العربية بدل الفوضى التي تم التخطيط لها بعقول غربية ونفذتها أيد عربية غبية.