12 سبتمبر 2025
تسجيلالحجر الأول بين الأحجار السبعة اليوم هو بلا شك في أفغانستان، حيث يتبين لنا أن الأخلاق في السياسة هي حلم بعيد المنال، وأن التغيير هو السمة الرئيسية في عالم السياسة وفقًا للمصالح، والأولويات، والمعطيات لكل حالة نزاع أو صراع أو أزمة. أُسدل الستار على المرحلة التي كانت فيها طالبان العدو الأكثر شراسة للولايات المتحدة الأمريكية. نجح الطرفان في إرساء التسوية بعد صراع دام أكثر من 20 عامًا بين حركة سياسية-عسكرية ودولة عظمى. بين موظف ورب عمله، وخلاف على المزايا، والعلاوات، والصلاحيات، والشراكة من الند للند. منا من رأى في انسحاب القوات الأمريكية نصرًا جديدًا على القوات الإمبريالية الاستعمارية، ومنا من شبه ذلك بهزيمة أمريكا في فيتنام بالسبعينات، ومنا من يعي أن هذا النصر هو مجرد ورقة منحتها واشنطن لهذه الحركة السياسية قبل انسحاب القوات الأمريكية بأسبوعين، كي لا يتحمل البيت الأبيض أي مسؤولية أمنية وإعلامية وقانونية في عملية "التسلم والتسليم" بين السلطات الأفغانية المدعومة أمريكيا وبين الحكام الجدد؛ ومنا من ينتظر- الأهم- وهو البرنامج السياسي لحُكم طالبان العصري، الذي برزت ملامحه بحذاء رياضي أمريكي، وجلباب مودرن، ونظارات شمسية أمريكية، وألعاب في الملاهي، وصورة ذهنية منفتحة على العالم بشقيه الذكوري والأنثوي، مقابل هروب استثنائي في عجلات الطائرات، وفوق السياج الشائك. مشهد هوليوودي أثار بلا ريبة قلق روسيا، ومخاوف إيران التي وإن تمكنت ببراعة من التحالف مع الأمريكان للتخلص من حربها الطويلة مع صدام، ستُضطر ربما للتجهيز إلى حرب أطول في المستقبل مع أفغانستان، وستكون موسكو فيها حليفتها.. وهنا انتصر الأمريكان!. في لبنان لم ينتصر أحد حتى الساعة، التهديدات الأهلية الهوجاء مستمرة، والمزايدات على حب هذا البلد ما برحت تُذهلنا بين باخرة وقود إيرانية ومساع أمريكية لتوفير البنزين والمازوت من مصر والأردن إلى بيروت، وتخمينات حول الحصص الحكومية، ونداءات دولية لتشكيل حكومة شكلية لتسيير الشؤون اليومية، والغالبية الشعبية تُهلل لهذا المجرم وذاك. القرار الدولي واضح وهو ترك لبنان في فوضته وتفريغه فكريًا هذه المرة، حيث فُرغ أمنيًا واقتصاديًا، يكفي مراقبة فحوى الخطاب السياسي والشعبي لرصد حجم الخواء الفكري، الذي يعتبر أرضًا خصبة لاقتتال داخلي منتظر، ولتتجهز الدول الشقيقة والصديقة لعقد المباحثات حول وسائل التدخل الإقليمي والدولي المناسبة بما يُعيد التوازن للقوى الطائفية في جمهورية مطلوب أن تبقى فيها قداسة الأوثان. المطلوب خارج لبنان هو التركيز على المستجدات في موسكو، حيث سيكون "فيروس كورونا" أحد محاور النقاش بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل الأردني عبد الله الثاني، إلى جانب مواضيع "هامشية" مثل نتائج الاتفاق حول بدء تصنيع أنظمة كورنيت المضادة للدبابات في المملكة، الهجمات الإسرائيلية المتكررة في سوريا، وذلك تزامنًا مع زيارة وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري إلى موسكو لبحث تعزيز العلاقات العسكرية. العسكر "القبضاي" الذي يهزم "الأشرار" في هوليوود غير قادر على انقاذنا من شر كوفيد-19 مع المتحورات التي لم نعد قادرين على إحصاء أسمائها وأشكالها وأعدادها، إذ أعلنت شركة "فيسبوك" أنها حذفت 20 مليون منشور تضليلي عن هذا الفيروس، ما يدفعنا للتفكير بكمية المعلومات التي تتسلل إلى أفكارنا يوميًا عبر الأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لا عجب أن الدراسات البحثية الجديدة وآخرها الصادرة عن كلية كومينغ للطب في جامعة كالجاري الكندية، أكدت أن قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشات يُسبب الإصابة بالسكتة الدماغية لمن هم دون الـ60 عامًا. أرباب العمل سعداء بقدرتهم التكنولوجية على ملاحقتنا عبر الشاشات الصغيرة والكبيرة في نظام العمل عن بُعد. وتغريدات من هنا وهناك وسيناريوهات تطاردنا في الأحلام. التغريدات العربية تطالب الحكومات بسن قوانين معاصرة للحد من تأثير ظاهرة "الفاشنيستا" الهوليودية المستوردة. عزيزي المطالب بقوانين عصرية للَجم هؤلاء: الفاشينستا في دولنا العربية صناعة رسمية تدعمها أغلب الحكومات، وتُغذيها، وتستخدمها بوقًا في الأزمات لإلهائك عن المواضيع المصيرية، عبر استخدام التضاريس والخلفيات وبهدف تمرير الأموال الضخمة المغسولة عبر الماركات. رغم ذلك لم تعد الماركات التجارية كافية للتخفيف من معدلات الاكتئاب التي تتضاعف جراء الإجراءات الوقائية المرتبطة بجائحة كورونا، حيث ارتفعت معدلات التردد والقلق بين الناس، وبينما ينصح الأخصائيون النفسيون بتنمية الخيال وحثنا على تخيل حياتنا خارج إطار الجائحة في فصل ممنهج عن الواقع، نتساءل: لماذا ننقل بكل حواسنا إلى عالم هوليودي افتراضي.. الرقمية فيه أولى من الإنسان؟.