23 سبتمبر 2025
تسجيلهكذا ذكر الله الإنسان في كتابه، "فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" وهكذا هتف عمر بن الخطاب في وجه عمرو بن العاص حاكم مصر حين ضرب ابنه الغلام القبطي الذي كان يتسابق معه، لتقف بنا الذاكرة فيما نشاهده اليوم من مواقف وسلوكيات في الحياة تحمل الذل والهوان والظلم للإنسان الضعيف نراها ونسمع عنها لأنها لا تجد أمامها سوط الفاروق ولا إنسانيته، لكن ما يرى بالعين طبيّعي أن يكون أقوى استشعاراً وإحساساً وتفاعلاً، خاصة فيما يتعلق بهذا المخلوق الذي كرّمه الله تعالى منذ بدء الخلق، والذي دافع عنه الفاروق عمر حين ناول الغلام القبطي سوطاً ليقتص من ابن عمرو بن العاص، ليعيد له كرامته ويعطي درساً في كيفية التعامل مع الآخر بإنسانيته وليس بمهنته ومكانته، لذلك تستوقفنا الكثير من المشاهد الإنسانية المؤلمة في الواقع الذي نجد فيه الإنسان المهيّض الجناح في موضع الاضطهاد والاحتقار والإهانة والقسوة والاستغلال، دون أن ندرك أن الحاجة والفقر هما الطوق الذي يجعله في الدائرة المأساوية التي تشكل حياته ويجعله ضعيفاً أمام الآخرين، نأخذ مثلاً ما تخلفه الحروب من هجرة وفقر وجهل ومرض وبطالة، من المتضرر؟ ومن الضحية؟ ومن المستهين به؟ أليس الإنسان الضعيف الذي لاحول له ولا قوة، يهدم بيته وتقتل أحلامه ويهيم على وجهه، يُقتل ويُؤسر ويعذب ويصرخ لا من مجيب يجر همومه معه لمستقبل مجهول، سوط الفاروق انتهى مع الذين يؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا، ثم ما يخلفه الاتجار بالإنسان كسلعة بسيطة لتجار المال من مهن بسيطة لا تجد الكرامة الإنسانية المذكورة في كتاب الله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} لها موقعاً في الأجندة والقوانين والأنظمة الحقوقية الدولية والمجتمعية.... هنا وهناك تنتشر المآسي الإنسانية والظلم الإنساني، وخير شاهد ما تنقله القنوات الإخبارية ومنصات التواصل من مواقف وسلوكيات وواقع إنساني مخز تنفطر منها القلوب، في مناطق الحروب والسيول والانفجارات والدول الرأسمالية الشرسة ودول العالم بأجمعها. …. لذلك استوقفني "ما قامت به وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، ممثلة في إدارة تفتيش العمل، وتشكر عليه بحملات تفتيشية مكثفة خلال الفترة من 15 إلى 18 يونيو الجاري بغرض التأكد من التزام الشركات بالقرار الوزاري رقم (16) لسنة 2007 بتحديد ساعات العمل خلال الصيف للأعمال التي تؤدى تحت الشمس أو في الأماكن المكشوفة. وخلال الحملات تم إخطار 56 شركة بإغلاق مواقع العمل لمدة 3 أيام لمخالفتها لأحكام القرار، يؤكد هذا القرار الاستشعار بالإنسانية، وضرورة مراعاة هذه الفئة الإنسانية "العاملة" مع قساوة الحرارة الصيفية، واحترامها كقيمة إنسانية عاملة ومنتجة التي دفعتها الحاجة للاغتراب والتحمّل والصبر على مخاطر العمل الميداني المهني في أتون حرارة الصيف، ربما تودي بحياته، في الوقت الذي وقعت عيناي على طابور طويل من المراجعين باختلاف الجنسيات والأجناس والأعمار يقفون صفوفاً متراصة أمام مجمع مبنى السفارات في منطقة الدفنة بالساعات في الخارج ينتظرون دورهم للسماح لهم بالدخول لإجراء وإنهاء معاملاتهم مع سفاراتهم تلفحهم حرارة الشمس ووهجها، دون أن تتوفر لهم مظلات واقية تحميهم من ضربات الشمس التي ممكن التعرض لها خاصة كبار السن، من المسؤول عن هؤلاء وتأمين ما يحميهم من وهج الشمس في الصيف، وقساوة البرد في الشتاء؟!. …. كما لا تغيب ظاهرة سلوكية غير مستحبة في التعامل الإنساني منتشرة في بعض المجمعات التجارية وأكثرها وضوحاً في سوق واقف مع انتشار مهنة "حماليي" الذي وظّف لمساعدة وخدمة المترددين على السوق عند عملية الشراء واستخدام العربات المعينة التي يجرها، كتب على الزّي الرسمي للتعريف بهم "حماليّ"، وفي سوق واقف كتب الأجر "10 ريالات" والمهنة "حماليّ" في الخلف "على ظهره"، كان من الأجدر حفاظاً على عدم تجريحه وإهانته وتقديراً لإنسانيته ومهنته، خاصة أن معظمهم من كبار السن دفعتهم الحاجة لهذه المهنة، وتحمل صعوبتها، وثقل العربة التي يجرها، أن يكتب على العربة ذاتها كما هو المعهود في بعض الدول، وأن يلتزم بالزيّ الرسميّ للخدمة للتعريف به وتميٌزه، مع وجود علامة للجهة أو الشركة المسؤولة، واختيار مسمى آخر باللغتين يوحي باحترام المهنة والخدمة ومن يقوم بها دون الإشارة بها على ظهره، إدارة سوق واقف والمسؤولون عن المجمعات التجارية تقع عليهم المسؤولية في التغيير والاختيار والنظر بإنسانية وتقدير إلى العامل ومهنته، ونحن ندرك أن دولة قطر من الدول المتقدمة في الحفاظ على إنسانية الإنسان واحترامه سواءً كان مواطناً أو وافداً. [email protected]