17 سبتمبر 2025
تسجيلتطرقت في مقالي السابق الى أهمية التجارة الالكترونية في مواجهة الازمات الكونية، ولفت نظري أحد الاصدقاء الأعزاء بأهمية إيضاح فكرة المقال بشيء من التفصيل أو بمعنى آخر من؟ وكيف؟ والمقصود بـ"من" هنا هو على عاتق من تقع مسؤولية وضع الرؤية والاهداف والخطط والاستراتيجيات للوصول الى اقتصاد رقمي مؤثر على المستوى الدولي؟. في وجهة نظري المتواضعة أن هذا الامر يتطلب أولا ايماناً قويا بأنفسنا أننا نستطيع تحقيق السيادة الرقمية في الاقتصاد، ولكن دون اغفال التحديات والصعوبات وإدراك جيد للتبعات الإيجابية والسلبية بعد تحقيق الأهداف المرجوة، ومن ثم هنالك مسؤولية مشتركة على المستوى الحكومي والقطاع الخاص وافراد المجتمع، فكل عنصر هنا يمتلك أدوات تمكنه من المساهمة في تحقيق تكامل اقتصادي رقمي مؤثر. فالحكومات وحدها لا تستطيع أن تجبر رؤوس الأموال على المشاركة والدعم، والقطاع الخاص وحده لا يملك ما تملكه الحكومات من مصادر وإمكانيات تقنية وبروتوكولات دولية بين الدول، أما الأشخاص فهم العنصر الأهم في هذه المعادلة، فبدون وجود كوادر ذات فكر وعلم ومعرفة وخبرة فلن يتحقق أي طموح او هدف. فالعملية قد تبدو معقدة ومتداخلة وبعيدة المنال ولكنها ليست مستحيلة او خيالية، فهناك الكثير من الأمثلة الحية على إمكانية تحقيق ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التجربة السنغافورية، فلم تكن سنغافورة بعد استقلالها عام 1965 تمتلك الموارد الطبيعية والبشرية أو العمق الجغرافي أو النفوذ السياسي الدولي الذي يساعد على نمو اقتصادي قوي لدولة وليدة، وهذا الامر أدركه قادة سنغافورة مبكرا، فكان لابد من وضع سياسات تنموية مستدامة ومتوازنة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وتكثيف الجهود وتركيز الطاقات نحو تحويلها الى دولة ذات قوة اقتصادية عالمية رائدة. ولعل أهم ما يميز التجربة السنغافورية هو الإيمان العميق لتحقيق الأهداف فلم تكن الحكومة فقط هي الصانع والمحرك الوحيد لأهداف التنمية، وإنما قناعة القطاع الخاص والشعب السنغافوري بشكل عام بضرورة التكاتف والتعاون المشترك فيما بينهم للوصول للأهداف المرجوة. ونصل عزيزي القارئ الى الشق الثاني من سؤال صديقي، وهو كيف يمكننا فعل ذلك؟ أعتقد أنه يمكن الوصول الى اقتصاد رقمي رائد عالميا من خلال تضافر الجهود بين الحكومات والشعوب، يشمل بذلك القطاعات العامة والخاصة في الدولة، فيجب أولا أن تكون هناك رؤية واضحة للأهداف، وعليها يتم رسم خارطة طريق تراعى فيها نقاط القوة والضعف فيما نملكه من موارد وامكانيات، يلي ذلك التنفيذ تحت إشراف ومتابعة مستمرة ودقيقة تكون متوازية مع مرونة في التكيف والتعديل للخطط والاستراتيجيات بناء على المستجدات والفرص والتهديدات. ولعلي في الختام اضرب مثلا آخر على قهر الصعب والمستحيل حينما تكون هناك إرادة وفكر وجهد، فعندما بدأ جيف بيزوس بإنشاء شركة لبيع الكتب عبر الانترنت في مرأب منزله عام 1994 كانت الفكرة تبدو للبعض ساذجة وغير مجدية اقتصاديا، بل هي إضاعة للمال والجهد، ولم يكن هناك أي دعم أو رعاية حكومية تؤمن له الاستدامة والأمان لمشروعه، وإنما إيمانه ومثابرته في تحقيق أهدافه كانا هما الدافع والمحرك له، واستطاع أن يجعل شركة أمازون تتربع على عرش التجارة الالكترونية حول العالم بعائد مبيعات بلغ 280 مليار دولار في عام 2019. يقول الشاعر الطغرائي الأصفهاني في لامية العجم إن العلا حدثتني وهي صادقةٌ * * * فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً * * * لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحمل أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمعاً * * * والحظُ عني بالجهالِ في شُغلِ لعله إن بدا فضلي ونَقْصهمُ* * * لِعينه نام عنهم أو تنبه لي أعللُ النفس بالآمال أرقبها * * * ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل لم أرتضِ العيشَ والأيام مقبلةٌ * * * فكيف أرضى وقد ولت على عجلِ غالى بنفسي عِرْفاني بقينتها* * * فصنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ وعادة السيف أن يزهى بجوهرهِ * * * وليس يعملُ إلا في يديْ بطلِ