13 سبتمبر 2025
تسجيلكتبت ذلك المساء ديباجة لمقال عريض ليعلم من يقرأه أن قلمي هو من بثه ونفث فيه من روحه، إلى رجل خلق من نسيج ونساء من ورق، لم يكن إلا جبراً فقد تغيرت إلى حالة لا أعلم إن كانت أفضل أم أسوأ، ولا يعنيني الانتقاد لا ايجاباً ولا سلباً، كل ما يعنيني هو أنني أكتب بلا هوادة على سطر هو الآن تحت الصيانة لأرحل إلى السطر الذي يليه فأمنع من الدخول، ويحظر علي السفر إلى سطر جديد وتُحجز على أقلامي وتُرحّل دفاتر خواطري وأشعاري بتذكرة ذهاب بلا عودة، إلى مدينة أكثر برودة في مشاعرها... طُلب مني ذات يوم الخروج من كتلة صنعتها لنفسي، لم أرتض ذلك، فعارضت بشدة ورفعت راية الحرب ولم يصنع الثوار ما صنعت، حدُقّت بي أعين شتى، بألوان مختلفة أكثرها حمراء ذات شرار صاعق، فتجاهلتها وضربت شجبها عرض الحائط فتشقق جبينه وتساقط طلائه على الأرض، أحمق يضحك وحمقاء تقف على بابي تطلب مني الرحيل، وأبكم يجلس أعلى الشرفة يترقب حدوث مصيبة حتى يستطيع الكلام ! وأنا وسط المعمعة مجبرة على صد الضربات العكسية والصبر الجميل... عندما ارتفعت سقطت أمامي الأقنعة، وعرفت من يحبني لذاتي وعرفت "أعدقائي"، نعم ! "أعدقائي" الأعزاء... "أعدقائي" الذين أسقطوا مع أقنعتهم حرف الصاد... نعم "أعدقائي" الذين ظهرت أنيابهم وتغيرت نفوسهم وأخرجوا من بابهم الخلفي رائحة النتانة والازدراء.. "أعدقائي" الذين هم ذات يوم كانوا أصدقائي.. "أعدقائي" كم هذا اللقب يليق بكم...يا "أعدقائي" الكرماء... أكرمتموني بكشف ملامح وجوهكم الحزينة بمجرد ارتفاعي.. لا تقلقوا سأتلو عليكم آيات السكينة، وأخيراً شكراً لكم فأنا أستمتع بمشاهدتكم وأنتم تحترقون غيظاً وغضباً فواجب عليّ شكركم... منذ أسابيع عدة كنت أجلس في بهو الفندق في قلب ألمانيا، في وقت تغرب فيه الشمس وتعتدل فيه الحرارة، في صيف مشمس تقل فيه الأمطار، تارةً لأتناول فيه وجبة الإفطار وتارةً أخرى لارتشف كوب قهوة ساخنة، وتارةً لأكتشف هالات مرتادي الفندق والعابرين على الرصيف المحاذي له، أو المرور على رسائل هاتفي وتغريدات الغرباء في مدينة لا تنام، بعيداً عن أعين "أعدقائي" وابتسامات أعدائي الصفراء وازعاج المزعجين، فأغمض عيناي وأفتحهما فأجدني الآن معهم فذعرت كأنما وقع اصبعي بغتة في جمرة مشتعلة، ولا علاج لي إلا الماء البارد والثلج وقراءة ديوان شعر أو قصة قصيرة ! فقلت: كم أنت أحمق أيها العالم... تبحث عن خيوط تدلك على حياتي... وكيف أقضيها ! تبعثر أمتعتي لبلوغ سر من أسراري.. وأين أخبئها ! لا أحب أن تلاحقني الخطوات، وترتمي الآذان عند باب منزلي، وتجبرني القلوب على محبتها وتخرجني من وحدتي التي لم تخني يوماً، لا أحب أن يتدخل عذول أو محب فيما لا يعنيه، فترجع خطواتي للوراء فأبتعد، ولكن العالم بأكمله يظن بأنه ليس كأحد ! كم هو أحمق هذا العالم يبجّل القوي ويدحر الضعيف، يلعق الأحذية التي يظن أنها سترفعه فيتحمل الركلات، يدفن المُجّد ويغرق المستهتر بشتى أنواع التدليل والرقة والعنفوان... لقد خلق هذا العالم من ساق تعرى ولكن معظم ساكني الأرض متشبثون في حياة منتهية وأوراق نقدية لديها حسابات بنكية مفتوحة ! في المقابل هناك بشر سعداء... وضعوا شمعة لتضيء لهم الظلام... وتمضي بهم إلى آخر المدينة... وحيث إنه لا مكان لعاشق بها! فاكتفى بالرمح والطعنة...