27 أكتوبر 2025

تسجيل

خذوا العلم ولو في الصين

23 أغسطس 2015

لا يختلف إثنان أن تطور الحياة وسرعة ايقاعها أثّرت سلباً على كثير من العادات التي ظل الناس يتمسكون بها لسنوات طوال، وابرز ذلك التراجع ما تعاني منه المكتبات العامة اليوم من هجرة روادها الذين كانوا مؤخرا لا يستغنون عن الكتاب باعتباره خير جليس للانسان في وحدته، وفي زمن التطور السريع لتقنية الاتصالات التي غزت العالم، وافرزت مواقع الكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، اصبحت هي المسيطرة في حياتنا المعاصرة، وغدا كل شيء إليكترونياً مما أدى إلى تراجع الدور الكبير، الذي كانت تقوم به المكتبات العامة، التي كان لها حضوراً ساطعاً لسنوات طوال في نشر الثقافة بين البشر. نلاحظ ان المشهد الثقافي في مجتمعنا الذي يخصنا بالدرجة الاولى اصبح اعتماده على الجانب الالكتروني بشكل اساسي وتهميش الدور الذي كانت تستحوذ عليه المكتبات، بما تزخر به من امهات الكتب القيمة فاتجه الجميع نحو الكتب الالكترونية وصارت هي المسيطر على المشهد الثقافي والتعليمي، والمرجو من القائمين على الشأن الثقافي ايجاد وسائل ناجعة لعودة بريق المكتبات العامة وذلك بتوافر الاهتمام اكثر بهذه المكتبات العامة، التي تحمل إرثا كبيرا من الكتب والمخطوطات القيمة وذات التاريخ الاصيل، والاستمرار في تأصيل هذا السلوك الانساني الجميل، قس جيل الناشئة.. فهذه المكتبات كانت السبب في الكثير من الإنجازات الشخصية التي حققها ابناء هذا الوطن. نأمل ان تتحد الجهود لوضع دراسة بحثية علمية جادة لايجاد الحلول الجادة حول اسباب تراجع دور مكتباتنا العامة من الرواد المثقفين الذين هجروا هذه الاماكن الفكرية، وبهم ابتعد دور المكتبات كما ابتعد قبلها دور المذياع والهواتف الثابتة، والتلفاز كبير الحجم، المكتبات العامة ليست لها علاقة بعصر /الديجيتال/ وتطوراته، المكتبات هي اداة تثقيف خاصة لا يمكن الاستغناء عنها ولابد ان تقوى شوكتها في جو هذا الصراع الثقافي المتنامي، عليها فعلا ان تصارع كي تحافظ على رسالتها السامية. لا يمكن لأحد ان ينكر الدور الكبير الذي تلعبه المكتبات العامة، والدور الذي لعبته سابقاً في تأهيل الجميع، ورَفد الحياة العامة بمختلف الكتب الثقافية والعلمية، التي أسهمت بشكل ملحوظ في زيادة التثقيف الذاتي للاشخاص، فلماذا اذن هذا الفرار من موقع المكتبات؟ هنا بيت القصيد، فعند التفكر في الموضوع نجد ان هناك قصورا من اصحاب الدار انفسهم فمعظم المكتبات العامة لا تقوم بدورها الاعلاني الجيد وخلق وسائل جذب لزبائنها، ولا تقوم بعمل دعاية للإصدارات الجديدة التي تتوافر لديها، وخاصة الاصدارات العلمية التي يحتاجها طلاب الدراسات العليا، اضافة لافتقارها للعديد من المراجع التي تُهِمهم، والفراغ الوجداني بين رجل الشارع وعلاقته بمملكته التي يعشق مقتنياتها من الكتب النفيسة. اسوق هذا الطرح في هذا الوقت بعد ان تابعنا خبرا من الصين نتيجة شعورها بخلو المكتبات من الزبائن، فقررت مجموعة من الأفراد في مدينة نانجينج بالصين إقامة مكتبات عامة أمام المارة في الشوارع، بلا أمين للمكتبة، وبلا مقابل مادي، وتترك الحرية لهم لدفع المبلغ الذي يرونه مناسباً للكتاب. الهدف المباشر من ذلك هو تشجيع الناس على القراءة، ورفع مستوى الوعي والنزاهة لدى الجمهور، فالكتب متاحة أمام الجميع والفاصل هو ضمائرهم لأنهم لا يرغمون المارة على دفع مقابل للكتب فيضعون صناديق لجمع النقود المعدنية إذا أراد الفرد تقديم مقابل مادي للكتب حسب ضميره، فالأموال التي تجمع كانت تكفي حسب القائمين على الفكرة لتغطية التكاليف. وتتيح هذه المكتبات مختلف أنواع الكتب بما فيها الروايات وكتب الأطفال والكتب الاجتماعية، وتم بيع 300 منها في أول أيام الافتتاح. الثقافة والعلم يحتاجان لتركيز أعلى بيئة محفزة، فلا يمكن الاستفادة من اي مادة علمية مكتملة دون هذه البيئة الخلاقة المتمثلة بتفعيل المكتبات العامة، ولنا في الصين المثل الأقرب لتكوين قاعدة من جيل الرواد لإحياء الدور المستقل للمكتبات العامة. وسلامتكم