10 سبتمبر 2025
تسجيللا شك بأن الفن هو أحد أهم الدعائم الاقتصادية لأي وطن، والذي أولته قطر اهتماما كبيرا حولها مع أوج تقدّمها إلى وطن حضاري ووجهة سياحيّة هي ساحة فكر وثقافة توّجت ليس بتنوع المتاحف وبرامجها فحسب بل في تطبيق المفهوم الشامل للثقافة كإرث حضاري وهوية مجتمعيّة فضلا عن كونه قوّة ناعمة للدولة باتت عنصرا داعما لاستثماراتها الأخرى وعاملا جاذبا للسياحة الثقافية فيها بدءا من بوابتها الرئيسة (مطار حمد الدولي) حتى شهدت قطر من يقلّ طيران القطرية للتمتّع بساعات سياحيّة للتجوّل فيه وحده، كيف لا! وهو المطار الذي حصد الجائزة الأولى على مستوى العالم لسنوات عدّة على التوالي لما فيه من إبداعات وفن أيضا. ونجحت متاحف قطر في تحويل مختلف المواقع السياحية والثقافية إلى مساحات فنيّة وتحويل المباني الصامتة والجدران الصمّاء إلى كيانات ناطقة حيّة شارك أبناء قطر في بث الروح فيها بأعمالهم الفنية الرائدة ومنحوتاتهم ولوحاتهم العالميّة ممّا عمّق الإحساس والفخر بالمنتج الثقافي والفني للإنسان القطري والاعتزاز بأعماله بل ودعم فكرة الابداع والابتكار عند القطري والمقيم فيها عندما وجد إبداعهم أخيرا أيادي تحتضنه وتعتز به خصوصا وأن إبداعهم لا يقل عن إبداع غيرهم حيث نجحت رئيسة متاحف قطر في احتضانهم حتّى تداخلت أعمالهم مع أعمال الرواد العالميين وأعمال الحيازة الفنيّة المعروضة في طرق قطر ومدنها السياحيّة. ربما يحضرني في هذا المقام غياب الفن والثقافة فقط عن بعض الوجهات والمجالات التي هي واجهات حضارية لقطر. الوجهة الأولى مركز أبو سمرة الحدودي الذي طال التجديد مبناه معماريا فقط بينما غاب عنه ما يبرز سمة وهويّة قطر فنيّا في منفذ هو منفذها الرئيس وبوابة حدودها البريّة الوحيدة والتي تستحق أن تكون واجهة حضارية وفنيّة تعكس الإرث الثقافي والتقدّم الفني والفكري الذي تشهده الدولة في جميع المجالات لاسيّما ذلك الذي أولته المتاحف جلّ اهتمامها في كلّ مواقع قطر البريّة والبحريّة وربما تأخرت عن مبنى مركز الحدود وجدارياته بل وشاشته الذكيّة، مركز الحدود الذي يعد منفذا دوليا جديرا بأن يقدّم في أي مشروع فنيّ وطني قادم. الوجهة الثانية هي طريق سلوى -أبو سمرة الحدودي الطريق الذي يعتبر شريانا حيويا للدولة في كلّ ما يحتويه من طبوغرافيا ملفتة (هضاب منحوتة) (طوار) ( دحول) وغيرها من تضاريس لا تقل أهميّة عن تلك في الزبارة وزكريت وتستحق أن تعنون بأسمائها ليس الجغرافية فحسب بل بإبراز طبوغرافيا وجيولوجيا المنطقة المتنوعة بما تستحقّه من علامات ونبذ تعريفية سياحيّة، ووضع ما يمكن احتضانه في تلك البقعة من أعمال فنية وطنية قطريّة موائمة لطبيعة المنطقة ومترجمة لثقافة دولة قطر وتاريخها وسكّانها خصوصا وأنها تعدّ موقعا سياحيا رائدا جاوره مجددا أحد أهم المنتجعات في الشرق الأوسط (منتجع سلوى) الذي لا ينقصه سوى تأكيد الحضور الثقافي والفني من حوله وتعزيز هويّة الطبوغرافيا بالتاريخ والفن. ولعلّ محطة البترول القديمة المهجورة هناك والمسجد الملحق بها تمثل ذاكرة قديمة لأهل قطر للتزود بالوقود قبل السفر حرّي بها أن تشكل في ذاتها معلما فنيّا ويشكل مسجدها مسجدا للمنطقة يزيّنه الفنّ الإسلامي في بوابة قطر. الوجهة الثالثة: أنفاق قطر ومحطات المترو في الدولة حيث تنتظر الفنون الجميلة أن تغطي جدرانها الممتدة في دولة قطر من خلال جداريات ورسوم جرافيتي تعبيرية متفرّدة بحيث تعبر كل منها عن تاريخ كل مدينة وبقعة في قطر وما تشتهر به بحيث يكون الفنّ كتابا أو مروية تحكي التراث والثقافة القطرية للحزاوي الأدبية التعبيريّة فضلا عن المجسمات والمنحوتات التي ينتظر أن يتنافس فيها مبدعو قطر تنافسا فنيا في هويّة وسمة مخططة تحت إشراف المتاحف وهيئة السياحة لتشكّل حواضر فنيّة تاريخية وثقافيّة يخرجها الفنّ من مواقعها ووظيفتها الخدمية القاصرة إلى وظيفتها التكاملية للمدينة الحضارية. تجدر الإشارة إلى أن بعض الأنفاق فقط تم تجميلها ولكن لا تجمعها وحدة فنيّة أو ترابط مع موقعها الحضاري الذي تعكسه. وأخيرا: ربّما حظيت مختلف أنواع الفنون ومنها الجرافيتي بالتنفيذ في مساحات متعدّدة في الدولة ولكن الفنّ الوحيد الذي نجد النقص فيه هو الخط العربي (الكاليجرافي) الاسلامي الذي يعدّ أحد أهم أنواع الفنون الراقية التي حظيت بها لغتنا العربية تميّزا ووجدنا تراجعا في الاهتمام بها رسميا سواء في التعليم أو الفنون أو الثقافة وشعبيا لدى الجيل الجديد ناهيك عن تباطؤ تحويله إلى أداة من أدوات القوى الفنيّة الحضارية رغم أنه إرث، هذا والعالم بأسره يحفل به في معارض فنيّة خاصّة بل وتقدّر أعماله عالميا. وعليه نتمنى أن يجد الخطّ العربي الأصيل وثقافته اهتماما أكبر لينتقل من المتاحف إلى أسلوب حياة في الجداريات لينقل الحرف العربي ما لا ينقله أي فنّ خصوصا ونحن أهل المقسم به من نون وقلم وما نسطر! حتى لو كان السطر طريقا عالميا!!