12 سبتمبر 2025

تسجيل

أفغانستان... الوجه الجديد 7 | وزير المالية وحديث عن معالجة الديون والمتسوّلين

23 يوليو 2024

الاقتصاد والمال هما من يُحرّكان السياسة، تلك هي المعادلة، إذ تقاس الأمة وتطورها وتقدمها الماديين باقتصادها، بعيداً عن أهمية الأفكار والمبادئ، التي تُشغل ذلك كله، ونظراً لأهمية المال والاقتصاد، كان لا بد من لقاء وزير المالية الأفغانية الملا محمد ناصر أخنذ، الذي يعد في الخمسينيات من عمره. جلس على كرسي وسط مكتب كبير، وخلفه علم الإمارة الإسلامية الأفغانية ذو اللون الأبيض، تتوسطه كلمة التوحيد، ومن حوله كبار المسؤولين في الوزارة من أقسام الخزانة والجباية والجمارك، إلى العلاقات العامة. لاحظت أن ذراعه اليمنى مقطوعة، فسألته عن السبب فذكر لي إنها قطعت في الحرب الأخيرة التي خاضها كقائد عسكري حين كان يخوض معاركه مع متمردين في الشمال الأفغاني، وذلك بعد هزيمة قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. جلست إلى جانب الوزير الأفغاني أستفهم عن حقائق مالية كثيرة، وعن كيفية إدارته لهذه الوزارة المهمة التي تقوم بتمويل الحكومة كلها، وبتشغيل آلة الاقتصاد الأفغاني بشكل عام. كان يقوم بالترجمة شابان مفعمان بالحيوية والنشاط، ومتقنان للغة العربية، بينهما عبد الحق منصور مسؤول إدارة العلاقات العامة في الوزارة، وبالمناسبة فإن معظم المسؤولين في العلاقات العامة بالوزارات والمؤسسات الأفغانية يتحدثون باللغة العربية، وسنفرد لقصة اللغة العربية في أفغانستان حلقة خاصة بإذن الله. كان سؤالي الأول للوزير عمّا تردد من تسديد أفغانستان لديونها، فهل كان التسديد للديون الخارجية أم للداخلية، وما سبب ونوعية هذه الديون، يسارع الوزير إلى الجواب بالقول ليس هناك ديون خارجية كبيرة باستثناء بعض الديون البسيطة، ولكن ما قمنا بتسديده هو الديون الداخلية التي تبلغ 150 مليار روبية أفغانية، أي ما يعادل ملياري دولار، وقد تم تسديد 90% من هذه الديون، ولم يتبق سوى 10% فقط، ونسأل الله أن يعيننا على تسديدها قريباً. وحين أسأل الوزير عن التحديات التي تواجه وزارته هذه الأيام يسارع إلى القول هناك تحديان: الأول مسألة تجميد أموالنا في أمريكا وهي عبارة عن حوالي تسعة مليارات دولار أمريكي، بعضها في بنوك سويسرا، وأخرى في بنوك أمريكا، أما التحدي الثاني فهو منعنا من استخدام التحويلات البنكية، وهو ما يسبب أزمة حقيقية للتجارة الأفغانية وخاصة للتجار، فالرقم البنكي السويفت كود لا يعمل في أفغانستان، وهذه أزمة حقيقية نسعى إلى معالجتها، وقد زارتنا وفود من الأمم المتحدة، وتحدثنا معهم عن هذا الأمر ووعدوا بتسوية المشكلة، لاسيما بعد أن اطلعوا على حسن سير العمل هنا، وقدرتنا على ضبط الأوضاع المالية بما يتوافق مع القوانين الدولية، وكلنا ثقة بأننا سنقدر على تسويتها قريباً، وقد زارنا مندوب من البنك العالمي واطمأن على حسن الإجراءات التي اتخذناها في هذا الصدد، ووعد بتسوية مبكرة. على صعيد الدول المجاورة القريبة والبعيدة، نقوم ببذل الجهود من أجل إقامة وتحسين هذه العلاقات، وتركيزنا الآن منصبٌ على الاستثمار الصيني والروسي، حيث الصين بدأت بالاستثمار في النفط بشمال أفغانستان، حيث بلغ حجم الاستثمار الصيني أكثر من نصف مليار دولار، وذلك في مجالات متعددة مثل مناجم النحاس، والفحم الحجري، وغيرهما، كما تقوم تركيا بالاستثمار مفضلة العمل في مجال الإنشاءات، وسدود توليد الطاقة الكهربائية، وتعد الخطوط الجوية التركية الخطوط الحكومية الوحيدة التي تأتي إلى أفغانستان، وهناك استثمارات قطرية وإماراتية أيضاً. وحين نتحدث مع الوزير عن الوضع الاقتصادي المزري للناس، يعترف بأن أفغانستان تعاني من الفقر، والبطالة، ولكن هذه سياسة موروثة للأسف، ونسعى بقدر جهدنا وإمكانياتنا التخفيف منها ومعالجتها، ونحن نعوّل بالمقابل على المشاريع التي أطلقناها، ومنها قناة قوش تبة التي يصل طولها إلى 280 كم وتمتد من نهر جيحون وستغطي ثلاث ولايات، حيث ستروي 3 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية، مما سيطلق بنظرنا ثورة زراعية، ما دامت البلاد تعتمد عليها. على صعيد ظاهرة التسوّل في كابول قمنا بحصر المتسولين، ضمن قوائم ودرسنا حالاتهم، وتأكدنا من الصحيح منها، ورتبنا لهم رواتب شهرية، مقابل توقفهم عن مزاولة التسوّل، كما قمنا بجمع كل مدمني المخدرات، وهي الآفة التي راجت للأسف في أفغانستان أيام الاحتلال الأمريكي، ونقلناهم إلى مشاف خاصة لمعالجتهم، والآن يتلقون العلاج الكافي، لينخرطوا لاحقاً في الحياة العملية العادية، وبفضل الله أصدر علماء الإمارة فتواهم بحرمة المخدرات وزراعتها والاتجار بها، مما سيعود بالنفع على أفغانستان والعالم، بعد أن كانت زراعة وتجارة رائجة أيام الاحتلال. وضمن سياسة الحكومة المركزية فقد حصرنا الجمارك في إدارة واحدة كما يقول الوزير، الذي يضيف بأننا قمنا بالتسهيل على التجار والناس حين أعفيناهم من المخالفات المرورية، والغرامات، وفرضنا تعزيرات غير مالية عليهم، نتيجة الضائقة الاقتصادية التي يمرون بها، فالغرامات ممنوعة، أما الضرائب فتتم جبايتها ووضعها في خزينة الدولة. يُلفت الوزير الأفغاني نظرنا إلى قضية مهملة وهي مسألة الجرحى والمعاقين الذين خلّفتهم الحرب، فيقول إن هؤلاء مع الأرامل والأيتام يبلغون 400 ألف شخص، وهم من طرفي الحكومة والمجاهدين، ونقوم بالدفع لكليهما دون التمييز بينهما. ولا يُخفي الوزير الأفغاني عتبه على العراقيل التي تسببها البيروقراطية الباكستانية في ميناء كراتشي، بما يعيق استيراد وتصدير التجار الأفغان، لاسيما وأن ميناء كراتشي هو المنفذ البحري الوحيد لأفغانستان مما سيضطرهم للجوء إلى منفذ ميناء تشاربهار، والتي تقوم على تشغيله اليوم الهند، لكن يبقى طريق كابول ـ كراتشي، أقصر من كابول تشاربهار.