17 سبتمبر 2025

تسجيل

سيارة "المحتسب"

23 يوليو 2019

تتوقف عند اشارة المرور تلتفت يمنة تقرأ عبارة "غض بصرك" واذا ادرت نظرك للناحية الاخرى تصادف عبارة "صل قبل أن يُصلى عليك". وفي موقف للسيارات يتطاير نظرك حول عبارات مكتوبة على زجاج العديد من السيارات تتراوح بين النصح مثل "لا تنس ذكر الله" والتوجيه مثل "انصر رسولك" والوعيد مثل "الويل لأعداء الإسلام". السيارة تقع ضمن ما يسمى بالمجال الخاص للفرد ويستخدمها ويؤثثها كما يشاء.  لم تكن السيارات في منطقتنا تحمل أي نوع من العبارات، ولم يكن يكتب عليها اي شيء بتاتا، مع تأزم الدول في المنطقة، ظهرت السيارات التي تحمل صور رموز الدول، ومع تأزم الثقافة وتمزق النسيج الاجتماعي ظهرت سيارة "المحتسب" الوصي على المجتمع الذي يراقب أفراده وسلوكياتهم والذي سيقوم لاحقا بتنفيذ الجزاء على المخالف نيابة عن الدولة وعن المجتمع إذا ما استمرت هذه الظاهرة في التنامي والكبر. كنت أقرأ على الشاحنات في مصر المحروسة عبارات مثل "الصبر جميل" وعبارات عن الحسد مثل "يا ناس يا شر كفاية قر" في مجتمع يعاني من صعوبة الحياة، ويعيش على المجال المعنوي ويحتمي به لكي يستسيغ الحياة. أما في المجتمع المدني فتحمل السيارات لوحات ودعايات للشركات والمؤسسات ووكالات الطيران وغيرها، لا تحمل إطلاقا عبارات تمس البناء الاجتماعي أو الطبقي أو الأنساق الدينية القائمة في المجتمع بشكل أو بآخر. سيارة "الحسبة" هذه وقد لا يكون صاحبها أبدا يمثل ما يكتبه عليها أو يقتدي بما يوصي الناس به، سيارة "المحتسب" هذه خير من ألف محاضرة أو مئات الخطب.  كلنا شهدنا سيارة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "انصر نبيك" بعد الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية، كلنا شهدنا بعضها وهي تتخطى القوانين المرورية وتجتاز الاشارات، كيف لها ان تنصر الرسول وهي لا تتقيد بوصاياه الكريمة مجتمعيا. أخشى من التوظيف الايديولوجي للسيارة في ظل ما تشهده المنطقة من خلافات اسلامية-اسلامية فنكون بصدد سيارات مذهبية، وسيارة "سلفية" تطارد سيارة "ليبرالية" وتنتقل المعركة الى اشارات المرور وشوارع المدن. كنا سابقا نطالب بقنبلة "نووية" اسلامية نصل اليوم الى اختراع هوية ايديولوجية لسيارة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ويتحول الفضاء العام الذي أراده الخالق لحرية الانسان وخياراته الى مجالات خاصة تتقاتل مع بعضها على أحقية كل طرف في امتلاكها. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه!.