12 سبتمبر 2025
تسجيل** رجل ظن بامرأته سوءاً فطلب منها أن تحلف بكتاب الله أنها لم تأت الفاحشة فحلفت فهل تكون كالملاعنة فتحرم وهل يعد الاستحلاف قاذفاً؟ * الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، قد يكون الدافع إلى سوء ظن الرجل بامرأته الغيرة وفى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ اللَّهُ، فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ، فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ" فالغيرة مشروعة ولكن الإسلام يُطالب بترشيدها، والسمو بها، واتزانها وعدم تجاوز الحدود فيها، ولذا منها ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع، فالمشروع منها ما كان عن ريبة أي إذا ظهرت أمارات الفساد وعلامات الانحراف، وقرائن الغي، وبوادر الغواية عند ذلك هي غيرة محمود لمقتضى الفطرة السوية. وأما إذا لم توجد علامة ولا قرينة تبعث على الريبة والشك فالغيرة عندئذ مذمومة. لما فيها من اتهام بالسوء من غير وجه، ولذا قال تعالى. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" وفى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" وظن السوء بالمرأة من غير ريبة، يُصدِّع بنيان الأسرة، ويهدم جدار الثقة بين الزوجين، لا تهدأ النفس معه، ولا يهنأ أحد بالعيش، واستحلاف المرأة أنها لم تأت فاحشة هو نوع من التغرير لا يجوز وفيه تجاوز لقواعد الشريعة وفيها كما فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ". وتكليف المرأة الحلف على أنها لم تأت الفاحشة فيه نوع من المغامرة والمخاطرة، فلو أن المرأة قد تجاوزت حدود الله تعالى وارتكبت فاحشة، ويُطلب إليها الحلف على عدم ارتكابها يكون بذلك قد عرضها للكذب واليمين الغموس، ومن تجرأت على الفاحشة تكون على غيرها أجرأ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفى الصحيح "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ" الْيَمِينَ الْغَمُوسَ هِيَ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْإِنْسَانُ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِيُلْحِقَ بِهَا بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ بِهَا حَقًّا وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ الْحَالِفَ فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثم إن العصمة بيد الزوج وقد أباح الله له الطلاق متى ظهرت عليها الريبة، وإلا فالطلاق يهتز له عرش الرحمن، ومن الواجب المعاشرة بالمعروف أو التسريح بالإحسان قال تعالى "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" أما إذا لم تكن المرأة قد ارتكبت الفاحشة ولا قارفت إثما، وطلب منها زوجها الحلف على عدم ارتكاب الفاحشة، فإن هذا إنما يُحدث جرحا عميقا يستغرق زمنا ليندمل، وقد لا يكون له ارتقاء المقصود بالملاعنة. ** رجل يشتري بضاعة من محل تجاري بثمن مؤجل إلى أجل معلوم، بشرط أنه إذا لم يؤد الثمن في الميعاد المحدد في العقد تسري عليه الأرباح باعتبار 9 % ويكتب سنداً بذلك فما حكم هذا العقد شرعاً؟ * الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، فهذا البيع فاسد لاشتماله على شرط فاسد وهو استحقاق الربا إذا لم يدفع المشتري الثمن في الميعاد المتفق عليه بينه وبين البائع، والشرط الفاسد هو الذي لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا جرى به العرف وفيه نفع لأحد المتعاقدين أو لآدمي غيرهما ولا شك أن هذا الشرط كذلك سيفسد به عقد البيع. على النحو الآتي: أولا: من أسباب فساد هذا العقد كونه عقد بيع مشتمل على شرط، وهذا الشرط فاسد والدليل "نَهْيُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ". ثانيا: النصوص والقواعد الشرعية الدالة على بطلان هذا الشرط، هذا الشرط ممنوع شرعاً لما فيه من تصادم مع نص قرآني بخلافه يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ" البقرة 278 ـ279، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. ولأن هذا الشرط الوارد في العقد، أنه إذا لم يؤد الثمن في الميعاد المحدد في العقد تسري عليه الأرباح باعتبار 9 % ويكتب سنداً بذلك هذا الشرط يُصادم نصا شرعيا، وفيه مخالفة صريحة لأمر الله تعالى بترك التعامل بالربا، فهو شرط باطل لأنه يخالف كتاب الله. وللحديث "إنما البيع عن تراض من حديث أبي سعيد. ولم يتضمن العقد ما يشير إلى رضا البائع بالعقد وإتمام صفقة البيع بدون هذا الشرط الباطل وعليه فقد فسد هذا العقد كما أسلفنا وأصَّلنا، بل خالف البائع كذلك الهدي الرباني في الإنظار والإحسان فقد قال تعالى "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة ـ 280. إضافة إلى ما مر، تضمن العقد لشرط باطل فسقط هذا العقد وبطل، نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية. الزواج بأخت المعقود عليها ** شاب عقد على فتاة ثم طلقها ويريد أن يتزوج بأختها التى هى أصغر سنا منها فهل تحل له أم لا؟ * الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، فإذا وقع الطلاق من هذا الشاب لهذه الفتاة قبل الدخول بها وقبل الخلوة الشرعية بها، جاز له أن يتزوج بأختها، لأنها في هذه الحالة لاعدة عليها منه، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً" وأما إذا وقع الطلاق بعد الدخول بها حقيقة أو حكما ـ كما إذا اختلى بها ـ فلا يجوز له أن يعقد على أختها المذكورة إلا بعد انقضاء عدتها منه. لقوله تعالى: "وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم" وذلك حتى لا يجمع بين الأختين لقوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه باسمائه الحسنى وصفاته العلا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. والله أعلم