15 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ فتحنا أعيننا على الحياة العملية ونحن نسمع من خلال المذياع والتلفاز وعبر الصحف وأجهزة الرصد الصحفي عن نقاشات ومباحثات تجري بين حكام ومسؤولين عرب من جهة وبين مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وإنجليز في الجهة المقابلة، ودائما ما يكون محور المباحثات والمجادلات والمؤتمرات وكذلك عناوين الصحف، هو القضية الفلسطينية، والزيارات المكوكية بين تل أبيب والقاهرة وعمان تحديدا لم تنقطع من قبل المسؤولين الأمريكيين، ولا نزال نراهم اليوم يجوبون المنطقة دفعا لإحياء جذوة المباحثات الباردة بأي طريقة كانت لمساعدة الإسرائيليين، ولكن هل يريد الإسرائيليون فعلا التوصل إلى حل؟ لقد كانت سيناء آنذاك غير ذات أهمية على طاولة النقاش الثقيلة فقد أعيدت لمصر بشروط قاسية، وكذلك هضبة الجولان لم يكن الأسد يهتم لإعادتها كما كان يدعي، لذا كان التركيز منصبا على الضفة الغربية من الجانب الإسرائيلي والعربي خصوصا، لأن هناك شعبا كاملا تم تشريده، وأرض تم ابتلاعها في ست ساعات، والإسرائيليين يدركون تماما أنهم لن يستطيعوا العيش بأسلوب مدني متحضر في الضفة الغربية متمتعين بابتسامات عريضة يطلقونها في وجوه الفلسطينيين أو العكس، لذلك كانوا دائما مستعدون للدخول في جلسة مباحثات عقيمة بهذا الشأن، فلا كلل ولا ملل، لأن إستراتيجيتهم طويلة الأمد، وكل مسؤول تنتهي صلاحيته يأتي خليفته بنفس الروح ليستمر في ما ابتدأه السلف، مقابل حكام ومسؤولون عرب تتقلب مواقفهم كلما تقلبت جنوبهم في المضاجع. اليوم يبدو أن خارطة العالم العربي آخذة في التشكل من جديد ليس فيما يتعلق بالحدود كما يتخيل البعض دائما، ولكنها بالوجود، فالأحداث ونتائجها خلال ثلاث سنوات مضت خلطت الأوراق بشكل كبير، وسقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك فتح أعين قادة الفكر الاستراتيجي والأمني والتخطيط البعيد داخل غرفة العمليات الكبرى في تل أبيب، فصعود أحزاب الإسلام السياسي لم يكن في واردهم أصلا، فكيف بالإخوان المسلمين يحكمون أكبر دولة عربية على يمينهم، لذلك كان من المهم بالنسبة لهم إعادة قراءة الخارطة بطريقة مختلفة، لذلك لا تعتمدوا على ما يقوله السياسيون هناك، بل ماذا يوصي الكهنة السياسيون والأمنيون مثل عاموس جلعاد مثلا. أمس الأحد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن استئناف عملية السلام يشكل مصلحة حيوية بالنسبة لإسرائيل، مؤكداً أن المفاوضات لن تكون سهلة وأن حكومته ستضطر إلى" إيجاد التوازن بين رغبتها في منع تكون دولة ثنائية القومية وبين منع إقامة دولة إرهاب أخرى تدور في فلك إيران " حسب نتنياهو بالطبع. ولكن نتنياهو على ما يبدو قد وافق للدخول من جديد بمفاوضاته معتمدا على وعود من الطرف الآخر، فقد قال أيضا ما نصه: إن شركاءنا في المفاوضات ـ يقصد الفلسطينيين ـ سيضطرون أيضاً إلى تقديم التنازلات التي ستمكننا من الحفاظ على أمن دولة إسرائيل ومصالحها القومية. الرئيس شيمون بيريس بدوره، هاتف الرئيس محمود عباس، وخرج تصريح بأنه أكد أن لا بديل للسلام لكلا الطرفين، مشيراً إلى أن عباس ونتنياهو قد اتخذا قرارا تاريخيا وشجاعا وصائبا للغاية في العودة لطاولة المفاوضات، وشدد على أن إسرائيل ستعمل جاهدة من أجل حل النزاع وبالتالي العيش سوية بسلام، في المقابل استغل بيرس الفرصة ليهاجم حركة حماس ووصفها بأنها تجلب الدمار والأسى فقط للشعب الفلسطيني. الرئيس عباس بدوره أعرب عن أمله في مفاوضات ديناميكية متقدمة مع الجانب الإسرائيلي للتوصل إلى حل يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام بجوار دولة إسرائيل استمرارا على ما تم بناءه قبل سنوات من المباحثات والاتفاقات وهذا كلام عباس حرفيا.. ولكن إلى أي مدى يمكن الوثوق بالوعود الإسرائيلية، وهل سيتوقف سرطان الاستيطان في المناطق الفلسطينية خصوصا في مدينة القدس التي ابتلعتها المستوطنات، وهل سيجد الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة أن حياتهم المعيشية قد تغيرت بتغير سياسة الحواجز والتفتيش والمنع وجدار الفصل العنصري. نفهم أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يريد أن يتعلق بقشة حدود عام 1967، ولكن الإسرائيليون خبثاء العصور القديمة والحديثة فليس سهلا قبولهم بأي كلام، وواشنطن والسيد كيري لا يرى العالم العربي سوى بعيون إسرائيلية، والأمن القومي بالنسبة لهؤلاء لا يعني حصول حكومة رام الله على صاروخ نووي، بل إن مجرد صوت فلسطيني عال قد يرتفع في مؤتمر عام ضد إسرائيل هو بالنسبة لهم خطر قومي، لأنهم لا يريدون السلام المجرد للجميع وكفى، بل يريدون طاولة مفاوضات حجرية تصمد أمام السنوات والعقود والدهور، لأن إسرائيل أصبحت قوة عظمى تقرر ما تشاء كيفما تشاء وهؤلاء العرب الفلسطينيون مزعجون غير حضاريين، يهددون أمن وحياة أطفال المهاجرين من كل أصقاع الدنيا الذين ورثوا أكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة بن غوريون وعصابته لأرض فلسطين التاريخية. سيجتمع كيري وعباس ونتيناهو مرة أخرى وأخرى وأخرى، ولكن لن تقوم دولة فلسطينية مستقلة بذات المعنى الذي نعرفه عن الدولة المستقلة، وسيبقى التفاوض في عمان لدعم موقف عباس وتقديم الاستشارات له، والأمريكان يطمعون بإلصاق الدولة التي قد تولد بشقيقتها عمان، ولكن القرار دائما في تل أبيب، ويبقى التاريخ يعيد نفسه، وستتحقق وصايا إسحاق شامير حين قال: نفعل ما نريد وحين يطلبوننا للتفاوض نماطلهم، حتى إذا ما وافقنا على الجلوس معهم، نرفض كل ما يطرحون فنعود من جديد.