14 سبتمبر 2025
تسجيللا أتذكر طفولتي جيدًا بل لا أبالغ لو قلت إن الطفولة في حياتي عبارة عن ذكريات منسية، لأنها كانت تفتقد لأهم عنصر يغذي المشاعر ويحافظ على الذكريات لأن الطفولة من دون (أم) ما هي إلا أيام لا طعم لها، وذكرى لا جمال في ساعاتها وأيامها.لا أنسى أبدًا تلك العصرية وأنا جالس ألعب بالطين على دكة أسمنتية، فيخرج عمي الطفل الذي يكبرني بشهر من ذلك الباب الأخضر فيبلغ ابن أخيه الطفل ببراءة الطفولة وبدون مقدمات ويقول (أمك ماتت)..أتذكر وقع تلك الكلمة على أذني لم أكن أعرف الموت، ولكني كنت أعرف الفراق وأعرف الحنين، كانت صدمة طفل لم تدمع عينه ولكن ضاق صدره، والله إنني لأشعر بنسائم ريح ذلك العصر الذي كان ساكنًا لا أسمع فيه إلا صدى حديث طفل لنفسه يراجع وجه أمه الذي لم يعش معه كثيرًا وعرف أنه لن يشاهده مرة أخرى، لازلت أتذكر انطواء أخي الأكبر على ذلك الجدار يبكي ألم الفراق، لازلت أتذكر عمتي وهي تكوي ثوبي لأذهب للمطار لأستقبل أبي بعد أن دفن شريفة الذكر والذكرى في مدينة أخرى، أتذكر وجهه الحزين عندما عاد وخرج من بوابة القدوم وأمامه رجال كثر يعزونه، فهو الذي ضحى بكل شيء بماله ووظيفته وترك الدنيا وترك أبناءه وأهله ليقف بجانب محبوبته وزوجته وأم أبنائه وماتت ويده تحت خدها مودعًا لها وهي توصيه على أبنائها واحدًا واحدًا، بعد أن أضناها المرض وبعد ما يقارب ثلاثة عقود يوصينا هو في فراش موته بأمنا يذكرنا بها وببرها يذكرنا بكلماتها عن أبنائها ووصاياها بهم، ويذكرنا بدمعها وحبها وألم فراقها لنا أي وفاء وحب هذا.. أي إنسانية تلك التي كان يتعايش بها آباؤنا وأمهاتنا حتى على فراش الموت يتذكر كل منهما الآخر.أفرح كثيرًا عندما أشعر أنني لم أكن في يوم من الأيام عاقًا لوالدتي، وأني لم أقل لها أوف ولم أكن سببًا في غضبها أو حزنها، وأبكي كثيرًا عندما أريد أن أتذكر لحظة من أيامها أو تقاسيم وجهها أو أن أستعيد ضحكتها ولا أستطيع.الأم هي كنز الحياة، هي ذلك الصندوق الذي فيه من كل الخيرات، لا حياة بلا أم، ولا سعادة بلا أم، ولا ذكرى بلا أم، ولا بارك الله في عين لا تبكي فراقها، ولا أطلق الله لسانا لا يدعو لها ولا كثر الله مالًا لا ينفق في برها.من لديه أم ولا ينهي يومه في كل يوم بدعوة منها، ولا يسعى في كل ساعة أن يطلب رضاها ولا يستريح بين وقت وآخر في حضن حنانها، فإنه والله يترك ويتخلى ومحروم من جنة الدنيا والآخرة، فأمهاتكم هدية الله لكم فاغتنموها فساعة الفراق آتية وستندمون ألمًا على كل ثانية لم تعيشوها في حضن أمهاتكم.