27 أكتوبر 2025

تسجيل

احترمت نفسي فاحترمتني

23 يونيو 2016

الرقابة الذاتية هي قضية إحساس واستشعار بالمسؤولية، وما أصيبت به الأمة المسلمة في هذا العصر وفي هذه الأوقات بالذات إلا من ضعف عن تحمل مسؤوليتها تجاه أفرادها وجماعاتها ودينها وأمتها ، وموضوع الرقابة الذاتية يعالج قضية الحياة كلها، من جذورها ولذا يتضح أن مهمة مراقبة الذات تأتي في صالح الأمة الإسلامية في المحافظة على قيمها وآدابها، وهذه القضية كي لا نحمِّلها أكثر من محتواها فإن ديننا الإسلامي القويم حث عليها بما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث إن الله عز وجل ذكرنا وأعلمنا بأن له الرقابة التامة على خلقه سبحانه وتعالى ، ولذلك قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. الرقابة الذاتية هي إحدى القيم الاسلامية التي يستند اليها سلوك الانسان المسلم، وهي من أهم العوامل المؤثرة في النجاح وفي جودة العمل، وفي تحقيق تكامل الجهود نحو الأهداف المشتركة إلا أنها في بيئة العمل لا تعني الرقابة الذاتية الالتزام بساعات الحضور والانصراف لكنها أشمل من ذلك بكثير، إنها تتعلق بالأداء من حيث اتقانه وتقييمه وتطويره.الرقابة الذاتية مصدرها الانسان نفسه حيث يراقب سلوكه وأعماله ويؤدي واجباته ومسؤولياته دون حاجة الى مراقبة ومتابعة الآخرين .. واسمحوا لي أن نتتبع هذه الحكاية من وحي ما قرأته عن هذه الخصلة الحميدة حيث يحكى أن غلاماً دخل بُستاناً يتنزّه فيه، وكانت أشجارُ البُستان مُثقّلةً بحملها، فهي مُزدانة بألوان الفواكه اللّذيذة، ولم تمتدّ يده لتقطف من فواكهها وثمارها شيئاً، بل كان يُمتِّع نظره ، وفي هذه الأثناء كان البُستانيُّ يُراقب الغلام مختبئاً وراء شجرة، وبعد أن أنهى الغلام جولته في البُستان وهمّ أن يُغادر، جاءه البُستاني وألقى عليه التحيّة مشفوعةً بابتسامةٍ عذبة، وقال له: لقد رأيتُ شيئاً عجباً.فقال الغلامُ: فعلاً، في البُستان أشياء عجيبة! قال البُستاني: لا بل أعني أنك لم تمتدّ يدُكَ لتقطف تفّاحةً أو رمّانةً أو خوخةً، أو أيّ فاكهة أخرى أعجبتك، ولم يكن هناك أحدٌ في البُستان؟! قال الغلام: علّمتني أمِّي منذُ صغري أنّني لا أرتكب القبيح حتى إذا لم أرَ أحداً، طالما أنّ نفسي معي تراقبني، فسرّ البُستاني من جوابِ الغلام المؤدّب المُهذّب الذكي، ثمّ قطفَ له من الفاكهة تشكيلة جميلة، وأتاهُ بها وقال له : تفضّل كُل هنيئاً مريئاً. قال الغلام: أرأيتْ! احتَرَمْتُ نفسي فاحتَرَمتني! الدروس المستخلَصة هنا: إن الرّقابة الذاتية أفضل أنواع الرقابات ، لأنّها تُشعل إشارة الممنوع في دواخلنا - وإذا أضفناَ إلى رقابة الذات ، رقابة المَلَكين الكاتِبَين ورقابة الله تعالى، فإنّ هذه الرّقابات الأربع، ستصنعُ سياجاً واقياً يحميناَ من المعاصي والمزالق والقبائح. - احترامكَ لنفسك مدعاةٌ لاحترامِ الآخرين لك.تحدثناعن الرقابة الذاتية في بيئة العمل ثم انتقلنا الى المجتمع الانساني الكبير ولعلنا نتفق أن تعزيز الرقابة الذاتية ممكن بشرط توافر عوامل معينة من أهمها القدوة وتطبيق المبادئ التربوية العملية والابتعاد عن التربية الخطابية الانشائية، واعطاء الجانب التربوي في مدارسنا ما يتفق مع أهميته وتأثيره في بناء شخصية الانسان.الرقابة الذاتية أن يكون الانسان قدوة للآخرين والتحدي الاكبر يكمن في تحويل هذا الانسان الخارج عن القانون الى انسان ايجابي قادر على بناء الجسور بين القيم والممارسات سواء أكان وحده أم تحت أنظار المراقبة.