03 نوفمبر 2025

تسجيل

أزكى الخواطر

23 يونيو 2015

جمهرة الناس تغلبهم طبيعة العيش وضرورات النفس والأبناء وظواهر الحياة الدنيا فتراهم منصرفين بأفكارهم ومشاعرهم إلى تأمين حاضرهم والاحتباس في مثل هذا التفكير.فلو أن الواحد منا تسمع وهو يتجول في الأسواق وأصغى إلى الضجة التي تسود سوقه وأسواق العالم في محاولة من خلال تفكيره في الحال التي علينا البشر لما وجد إلا صراخ الغرائز المهتاجة تريد إثبات نفسها وتحقيق غاياتها ورغباتها ولو تلمس أحدنا مكان الإيمان خلال هذا الضجيج العالي لما وجد إلا همساً لا يكاد يبين إن كان ذلك بين الأمم الكافرة بالله – وهي اليوم تملأ الأرض ولا عبث عليها، إذ كيف تذكر من لا تعرف أو من تجحد.وإذا نظرت إلى ديار المسلمين وجماهير المؤمنين، فإن معرفتهم بالله كامنة في حنايا صدورهم. قد تذكرهم المآذن بالله أحياناً وقد تحول بينهم وبينه بعض ما تتلوث به النفوس من إثم ومع الركض المجهد في ساحة الحياة وراء الأرزاق والمآرب الأخرى تبقى معرفة الذي ينبغي أن يذكر فيشكر خافتة.لأجل هذا حث المولى عز وجل عباده المؤمنين به أن يقاوموا هذا الصخب والذهول السائد وأن يتخلصوا من هذه الإغماءة والغيبوبة العامة وأن يذكروه رغم هذه المنسيات وأن يحاولوا الاستضاءة بوجهه الكريم خلال غواشي الدنيا وكرباتها وزحمة الحياة. وهذا سر الوصايا المتكررة بإدمان الذكر وإطالته.(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)، (ولا تكن من الغافلين).وذكر الله من أشرف العبادات وأنفس ما يجري على اللسان من كلمات، وأزكى ما يمر بالخاطر وما يثبت في القلوب من معان، وهو مفتاح الصلة المباشر بفاطر الأرض والسموات.وقد تنافس فيه الصالحون وربطوا أفئدتهم وأذهانهم به، لم يتوهوا عنه في زحام الحياة ولم تفتنهم عن ذكره ملذات ولم تشغلهم عنه محنة، هو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن حرم منه خذل، هو قوت قلوب الموحدين الذي متى فارقها صارت الأرواح مواتاً والأجساد قبوراً وإذا تعطلت عمارة ديارهم عنه صارت بواراً.إذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، هو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع طريق الدنيا والآخرة، به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات وتهون عليهم المصائب إذا نزلت بهم النوازل في الدنيا والآخرة، وماء حياتهم الذي يطفئون به لهيب الذنوب، ودواء سقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، فهو السبب الواصل بينهم وبين الرحمن الرحيم علام الغيوب.إن ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأشرف ما يمر بالفم وأجمل ما يتألق ويتأنق به العقل الواعي ويستقر في العقل الباطن.نعم هو من أشرف العبادات وأنفس ما يجري على اللسان من كلمات، وأزكى ما يمر بالخاطر. والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل يذكرون مولاهم الحق وخالقهم ومديم فضله عليهم ومحبوبهم في كل حال وفي جميع الأحوال.فالناس قد يقلقون للمستقبل أو قد يشعرون بالعجز أمام ضوائق أحاطت بهم أو نوائب نزلت بساحتهم، وقد رأوه طريقاً سريع التوصل إلى مقام الإحسان، والأنس بمشاهدة القرب من الله عما تزخر به الحياة من فتون وفتن ومجون، وسعي وراء العبث حتى وصل الحال ببعضهم أن مقام الإحسان وليد حالاته وإشراقاته لما روجه الشيطان وبعض الجهلة في تفسير معنى الحديث الصحيح، أنه أعلى من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إلا أن الذي يتبادر إلى الذهن غير هذا وأن الجهاد يبقى ذروة سنام الإسلام، به تصان الدماء والأعراض والأموال ويذاد به عن حوزة الدين.إن الجهاد أرفع درجات الذكر والمجاهد في سبيل الله إنسان عرف ربه وأرخص روحه، ويريد أن يغرس هذه المعرفة في الحياة وأن يرويها بدمه حتى تزدهر وتنمو، فهو يذكّر الآخرين بالله بعد أن امتلأ هو بهذا الذكر.لقد ذكر ربه عند التقاء الجموع وارتفاع أزيز الطائرات والرصاص استجابة لقول الملك الجبار، الله مولانا ومولاه: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار)، بل اثبتوا ثم استعينوا بمن (ولله جنود السموات والأرض)، ثم، (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)، نعم، (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون)، فعند اشتداد المعارك وتلاقي الجموع وتكالب العدو واستمرار القتل في إخوان له، وهذا هو جهاد الذاكر الصابر المحتسب وهو أعلى درجات الإيمان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو أشرف أنواع الذكر وأشرف من ذكر اللسان.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.