12 سبتمبر 2025
تسجيلانعقدت القمة العربية الثانية والثلاثون في مدينة جدة المطلة على ساحل البحر الأحمر من المملكة العربية السعودية، وبالامل والتفاؤل والطموحات الكبيرة راح الشعب العربي يتطلع الى اجتماع قادته على مستوى القمة وما عساهم ان يفعلوا لإنقاذ أمتنا التي تعيش في ظروف إقليمية دقيقة ووسط متغيرات وتحديات وقضايا متشابكة ومتداخلة تستوجب ــ قبل كل شيء ــ وحدة الموقف وشمولية الرؤية وعمق التحليل ووضوح السياسة وسلامة المنهج وفاعلية الحركة بعيدا عن الذاتية والانانية عند البعض. (2) غاب عن القمة قيادات سياسية عربية ولكل منهم أسبابه لكني اذكر منهم على سبيل المثال الرئيس الجزائري بصفته الرئيس السابق للقمة العربية التي عقدت في نوفمبر من العام المنصرم في عاصمة بلاده لاسباب اعتذر عن الخوض فيها. وفي يقيني ان القمم في العالم تجتمع في الازمات لمواجهتها وتطويقها وإيجاد الحلول لا التغيب بذرائع غير مجدية.لقد رحت اتابع وقائع جلسة المؤتمر واستمعت بإصغاء مطلق لكلمات الرؤساء العرب الذين تحدثوا وهي خطب مكررة في مادتها وتوصيفها للازمات التي نعيشها، والحق انني توقفت طويلا عند كلمة (الرئيس المختلف على حضوره) بشار الأسد، لقد كان خطابا كله غرور وغطرسة وتعالٍ، حتى على صاحب الفضل سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود رئيس القمة العربية الراهنة في دعوته للمشاركه في قمة الزعماء العرب بعد غياب دام اكثر من اثني عشر عاما. كنت أتوقع ان يقدم بشار الأسد في خطابه الأول امام الزعماء العرب اعتذاره عن استدعاء جيشين لدولتين لهما أطماع ليس في سورية فقط وانما في الوطن العربي بشكل عام بكامل معداتهم المسلحة ليستعين بهم على الشعب السوري الذي نادى بالإصلاح والمشاركة السياسية ومحاربة الظلم والفساد الذي طغى على البلاد والعباد في بلاد الشام الى جانب مليشيات ومرتزقة من الباكستان وافغانستان وايران والعراق ومن كل فج عميق، كنت أتوقع ان يقدم بشار الأسد مبادرة حسن النية تجاه شعبه بإصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين والترحيب بعودة جميع النازحين واللاجئين السوريين الى سوريا الحبيبة والتعهد امام القمة العربية بعدم ملاحقة من عاد الى وطنه سوريا والشروع في اجراء إصلاحات سياسية تعيده الى الحضن العربي بجدارة، كنت أتوقع ان يقدم مبادرة حسن النوايا لجمهورية تركيا بدلا من التنابز بالالقاب، لقد دخل قاعة الاجتماعات وكأنه الطاووس الذي كل ينتظر حضوره، ولكن الاقدار حالت دون ذلك فكان نجم مؤتمر القمة على كل الصعد الرئيس الاوكراني الجريح زلنسكي.. (3) لقد تنكر القادة العرب لمبادئهم التي اعتنقوها عندما اخرجوا النظام الحاكم في دمشق من جامعة الدول العربية عام 2012 احتجاجا على استخدام العنف ضد الشعب السوري الشقيق، ان قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي بقيت على المبدأ الذي تبناه الاجماع العربي ضد بشار الأسد وحكومته عام 2012 والذي من اجله عطلت عضويته في الجامعة العربية. ان دولة قطر لا يمكن ان تقبل بإعادة تأهيل النظام السياسي القائم في دمشق دون ان يجد حلا شاملا وعادلا يقبل به الشعب السوري الشقيق وقد أكد معالي رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بان المشكله ليست بين الدوحة ودمشق وانما بين النظام الحاكم في دمشق وشعبه الذي قاسى اثار البراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دوليا والقصف الجوي على المدن والقرى والارياف الزراعية والاعتقالات العشوائية. ان الدول العربية التي تنكرت لمبدئها التي قضت في حينه على تعليق عضوية الحكومة السورية في جامعة الدول العربية عام 2011م تعود لاسباب آنية مصلحية سرعان ما تزول أو تتبدل. (4) عندي ثقة في قيادة سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود لحل كثير من القضايا العربية المستعصية طالما هو رئيس القمة العربية وعلى رأسها العمل بكل الوسائل لرفع الحصار عن قطاع غزة وإقناع سلطة رام الله العباسية بأن مشروعها السياسي طبقا لاتفاق أوسلو 1993 وما بعده من اتفاقيات وتفاهمات مع الكيان الاسرائيلي قد فشل وعليه ان يعيد العمل الفلسطيني الى سيرته الوحدوية الأولى. ان الأمير محمد بن سلمان استطاع ان يقول « لا « للولايات المتحدة الأمريكية في كثير من القضايا ولا جدال عندي بانه قادرعلى اقناع مصر برفع الحصار عن قطاع غزة. في اثناء انعقاد القمة العربية في جدة هذا الأسبوع وهم يتنادون للدفاع عن فلسطين والشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية قام وزراء ورجال دين يهود وبعض من أعضاء الكنيست الإسرائيلي بتدنيس المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين وقتل واعتقال وحرق مزارع فلسطينيين وهدم منازلهم ولم يثأر المطبعون من القادة العرب لمقدساتهم في فلسطين ولا لإخوانهم الفلسطينيين. إن الاسرائليين لا يرعون قيما ولا حقوقا ولا قوانين ولا اعرافا دولية. المسألة الثانية هي السودان وما يجري على صعيده من حرب دامية، والرأي عندي العمل الجاد والحاسم لوقف القتال فورا والعمل الجاد على حل المليشيات المسلحة في السودان ونزع سلاحها ومناصرة الجيش الوطني السوداني بصرف النظر عن قيادته، فالقيادة متغيرة والجيش هو درع الوطن ولا سلاح يعلو على سلاحه، ليس هناك أي دولة في الأرض تقبل ان يكون على ارضها مليشيات / قوى مسلحة موازية للجيش الوطني لا تخضع لإرادة الدولة ولا تلتزم بتوجيهاتها. إن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي يعلم جيدا ان تعدد التنظيمات المسلحة في الدولة الواحدة شر مستطير والشاهد على ما نقول ما يجري في العراق واليمن وليبيا والسودان اليوم. ان نزع سلاح المليشيات في السودان ــ قوات التدخل السريع ــ ضرورة وطنية وأمنية ليس للسودان وحده وانما للمنطقة برمتها. المسألة الثالثة هي المحافظة على وحدة اليمن وسيادته، فإن الوحدة اليمنية تحقق الامن والاستقرار للمملكة السعودية ولأمن البحر الأحمر وعند انفراط عقد الوحدة في قادم الأيام لا سمح الله، فإن الشرور علينا جميعا لا تعد ولا تحصى. آخر القول: الأمير محمد بن سلمان نعلق عليه آمالا كبيرة في تضميد جراح الوطن العربي وحل أزماته، وفقه الله وأعانه.