20 سبتمبر 2025

تسجيل

أوكرانيا تستنزف روسيا

23 مايو 2023

على الرغم من إعلان روسيا عن سقوط باخموت، ونفي الرئيس الأوكراني ذلك، إلاّ أن المعركة لا يبدو عليها قصيرة الأمد، في ظل موافقة أمريكا على تزويد أوكرانيا بطائرات إف 16، مما عكس أن استراتيجية استنزاف روسيا هي الهدف الأساسي، وأن ماء الصراع الروسي ـ الأوكراني يواصل غليانه ولكن على نار هادئة وطبيعية، كما تريدها واشنطن تماماً، ووفقاً لما حصل في الحرب الأفغانية ضد السوفييت خلال الثمانينيات، تغطية الحروب علمتنا أنه حين تختلف الفرقاء في سقوط منطقة ما، فإنه يعني أن كل طرف يسيطر على جزء من المدينة المتنازع عليها. معركة باخموت التي استنزفت القوات الروسية بشكل كبير على مدى أشهر، وتحوّلت بحسب الصحفيين الذين زاروها إلى هيروشيما ثانية، دفعت زعيم مليشيا فاغنر يفجيني بريغورين إلى الظهور في مقطع فيديو وسط جثث قواته، ليهاجم بقوة وبشراسة وزير الدفاع ورئيس الأركان لوقفهما إرسال الذخيرة لقواته، ليعود زعيم فاغنر بعد أيام ليقول إن المسألة قد حُلت وأن الذخيرة والدعم قد وصل لقواته. وقد كشفت تقارير غربية عدة في الأيام الأخيرة عن حجم الخسائر المريعة التي تعرضت لها القوات الروسية، لاسيما وأنها الوحيدة في الميدان مقابل تحالف غربي ضخم صامت وراء أوكرانيا، إن كان بدعمه المالي أو العسكري أو الاقتصادي، وفوق هذا توفير الغطاء الأممي للأوكران. سجل الاستنزاف لم يعد سراً، وأصبح خطيراً يهدد وجود الجيش الروسي ذاته، فقد نقلت مجلة النيوزويك عن مصادر عسكرية أوكرانية أنه خلال 24 ساعة فقط، خسر الجيش الروسي 610 من جنوده في معارك أوكرانيا، ليصل عدد القوات الروسية التي قتلت في الحرب إلى 200590 بين قتيل ومصاب، وذلك منذ اندلاع الحرب في الرابع والعشرين من شهر شباط العام الماضي. لكن مجلس الأمن القومي قدر عدد إصابات الجيش الروسي بمائة ألف إصابة بينهم 20 ألف قتيل منذ ديسمبر الماضي. أما وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية فقد قدرت عدد الإصابات حتى أبريل الماضي بـ 189 ألف إصابة بينهم 35_43 ألف قتيل. اللافت أن المحللين العسكريين الروس يرون أن الكارثة التي حلّت بالجيش الروسي ليست فقط بعدد الإصابات، وإنما في تدمير البنية التنظيمية للجيش ذاته، إذ إنه خسر جيلاً من ضباطه، وفقدت روسيا في الحرب أفضل وحداتها العسكرية، لاسيما في الأشهر الستة الأولى. وكانت خدمة البي بي سي باللغة الروسية قد نقلت عن بيانات روسية رسمية في سبتمبر الماضي أنها خسرت في الأشهر الأولى للحرب 900 من أفضل قواتها الخاصة، وطياريها ومقاتلي المارينز، وبلغ عدد الطيارين الذين قضوا في الحرب حتى ذلك التاريخ 67 طياراً. الجانب الأهم في الكارثة التي حلّت بالعسكرية الروسية هو تشتت قرارها، وافتقارها للوحدة المركزية، فقد تنازع القرار عدة قوى وهي الاستخبارات الروسية المقربة من بوتين، والجيش الذي يرى نفسه منفذاً لقرار الاستخبارات فحسب، وهناك قوات الفاغنر التي تهاجم الجميع، مما قد ينعكس سلباً في حال التخلي عنها أو النيل منها كما يدعو البعض، وذلك نظرًا لوجودها القوي والفاعل، في أفريقيا وسوريا ومناطق أخرى من العالم، فهي اليوم بمثابة الأداة الخشنة الأهم في السياسة الروسية بالخارج، إذ توفر الألماس من أفريقيا، والذهب من السودان، وتحمي القاعدة الاستراتيجية الأهم في حميميم بسوريا، حيث رأس جسر لدعم عسكري ولوجستي إلى أفريقيا. الجيش الروسي يتعرض لعملية استنزاف حقيقية، واقع تجلّى تماماً في إخراج روسيا لترسانتها العسكرية القديمة بما فيها دبابات ت 62 ومدفعية قديمة من أجل تعويض افتقارها للسلاح، بعد هذه الحرب الاستنزافية المتواصلة، وهو ما دفع إلى تشكيل لجنة برئاسة بوتين نفسه لمعالجة النقص الحاد في أسلحة وذخائر القوات المقاتلة في أوكرانيا. الشراكة المشاكسة التي بدت في القيادة العسكرية الروسية ظهرت بشكل واضح في تسريبات زعيم فاغنر حين هدد بإعطاء القوات الأوكرانية إحداثيات الجيش الروسي لينتقم بذلك من تأخره في إرسال الذخيرة له ولقواته، وفوق هذا التغير الكبير والمتكرر الذي يحصل في قيادات المعركة، يلمس الجميع وحدة القرار السياسي والعسكري لدى كييف.