13 سبتمبر 2025

تسجيل

هزة قلم

23 مايو 2022

ما هو الخبر الأبرز على صعيد العالم العربي هذا الأسبوع؟ فعليًا وعلى المستوى الإقليمي العربي: لا شيء. بعض الأخبار المتفرقة هنا وهناك. لبنان مشغول بتصفية الحسابات الانتخابية السياسية، مع انشغال الشعب بشرعنة الزواج المدني؛ في الأردن الخلافات داخل الأسرة الملكية؛ ونزيف الشام وبغداد وفلسطين مستمر، ليبيا وتونس، في مساعٍ لبناء الذات، والمناوشات حول التطبيع بين الجزائر والمغرب على قدم وساق؛ مصر منهمكة في ارتفاع أسعار القمح وضرورة توفير أكثر من 100 مليون رغيف يوميًا؛ الخليج العربي يرزح تحت الرياح الشمالية والأتربة المفيدة لتلقيح الحيوانات البحرية! هذا هو مُلخّص أخبار الوطن العربي الذي لا يعلو صوته إلا خلف الجنازات الإعلامية. أغلب القضايا التي تتطلب مشاركتنا كمواطنين فاعلين في هذا العالم، هي بمثابة ردّ فعل، لسنا في موقع الفاعل، بل المفعول به في هذا العالم، والمنصوب عليه، ومن ثم المجرور إليه. اختلافاتنا وخلافاتنا كانت سياسية أيام القومية العربية حول القضية، واليوم باتت خلافاتنا حول "هزّة الخصر" في الجهر، والمثلية الجنسية. وهي قضايا موجودة منذ الأزل كدتُ أجزم أن الجواب فيها محسوم لولا فلسفة الحرية الفردية والقيم المجتمعية. ولكن حالنا واحد، فقيمنا المجتمعية قابلة للنقاش إذا لم تكن تُناسب التطلعات الدولية، وبدلًا من أن نُشغل عقولنا في نشر ثقافتنا الإبداعية العربية، نتخذ دومًا جانب الدفاع عن أنفسنا بوجه التهم الغربية، التي لن تتوقف مهما بلغنا من الكبر عتيًا. من التغيّر المناخي، والتنمر، وعدم التعرّض للمثلية، إلى كيفية مكافحتنا الأوبئة والأمراض الجرثومية، إلى الحقوق الإنسانية، هناك دائمًا من يُريد أن يُعلّمنا كيف نعيش حياتنا، ربّما لأننا أثبتنا قصورنا وعدم أهليتنا على مرّ التاريخ؟ أم ربّما لأن أغلب حكّامنا مُعينون وفق الوصيّة، وبالتالي "سيكس بيكو" فرضت عليهم السمع والطاعة، ونحن كشعوب يتوجب علينا إنفاذ الوصيّة، فسلّمنا أنفسنا حتى بتنا بلا شخصية. ففي الشؤون المهنية، هناك من يفرض علينا الإستراتيجية، وفي حياتنا الصحية، تغزو بيوتنا وسائل التواصل بالنصائح الطبية والإعلانات الفجائية، التي تُشكك الإنسان في صحته النفسية والجسدية، فأصبح جوجل يكتب لنا مؤشرات الهلع مجرّد سؤال محرك البحث فيه عن لاصقة طبية. في مواقف السيارات هناك من ينتظرنا ليُوجهنا كيف نركن مركبتنا، ويلتصقُ بالدفاع الخلفي وآخر في الأمامي حتى تكاد تُعطيه المركبة هدية لأنه لا مجال لك كسائق للاستمتاع بمهاراتك البسيطة اليومية. مُقدّم القهوة تطلب منه كوبًا عبارة عن بُنّ وماءٍ، فيطرح عليك عشرات الأسئلة المخفية، ويُوجّهك لطلب "كيكة" اليوم المُعقدة، وحساء الغد والسلطة الغنيّة. في النادي الصحي، مساحة الرياضة البدنية ومحاولة تحسين العلاقة بين الدماغ وأعضائك الحيوية، تتلقى عشرات الإرشادات والأسئلة لترغيبك بمدرّب هنا وصفّ "زومبا" هناك وكوكتيل بروتين مخفوق بالموز والأرز البُنيّ مع "رشةّ كينوا" صحية. عزيزي المواطن العربي ينصحنا بيل غيتس صاحب ثروة 130 مليار دولار أمريكي، أنه إذا أردنا تغيير العالم علينا أن نقرأ الكُتب. هذه هي نصيحة الشخص الأول في العالم الذي تبتكر شركاته آلاف البرامج السحابية الرقمية والذي يبيع لدّولنا بنيتها التحتية التكنولوجية، والتي تُعتبر جزءًا من تدمير الإبداع الفطري بالعقول البشرية. ضمير "غيتس" يقول إن النجاة بحياتك وحريتك الفردية وسلامك النفسي هي بالابتعاد عن العوالم الرقمية.. وعلاجات الاكتئاب الحديثة توصلت إلى أن الطبيعة هي الدواء والشفاء من كلّ ما يُنهك النفس البشرية.. ولكننا مُصرون في العالم الثالث أن نبقى "ثالثًا" لأننا نمشي على خطى من صنّفنا في هذه الخانة، ونحن مبهورون بهم. لم نقرأ موقعنا جيدا في الكُتب السماوية، ولم نفقه كلمة "اقرأ".. فقد صادروا فينا النهضة الفكرية وسحقوا حضارات القومية العربية.. وشغلوا عقولنا بعلاقة كرة القدم والمثلية.