19 سبتمبر 2025

تسجيل

درس النكسة

23 مايو 2019

أذكر أنني كنت اشتري مجلة تصدر من الكويت اسمها،على ما أذكر، «صوت الخليج»، ومحررها على ما أذكر يسمى «باقر خريبط» ؛على الأقل أنا متأكد من الاسم الثاني وهي أسبوعية، كانت تنشر صوراً لنكسة العرب الكبرى في حينها ولكن بصورة مقلوبة ومعنونة بالتالي: «هذا ما فعلنا بإسرائيل»، وهي مجموعة صور للدمار الذي أصيبت به إسرائيل وهو لا يكاد يذكر بما قد ألحقته بنا. الوعي بالقراءة لديّ جعل من ردة الفعل عندي بطيئة وليست فورية كما كانت أيام الاعتماد على المذياع ونبرة الصوت. بعد ذلك كنت حريصاً على اقتناء الصحف المصرية «آخر ساعة» و«المصور» بشكل أسبوعي ولم يكن هناك بدٌ من نقد الذات والبحث في أسباب الهزيمة، فكنت قارئاً نهماً لصحوة الشارع المصري من إغواء الإعلام الزائف، وكنت متابعاً لمحاكمة المشير عامر حتى انتحاره أو اغتياله كما يشار إليه بعد ذلك من قبل البعض المشكك، كما كنت محايثاً لعودة عبد الناصر ولكن بأقل كاريزماتية في النفس من ذي قبل مع كل الحب ولكن موضوعية القراءة جعلت مني أَميل إلى التيقن مني إلى حماسة الخطاب وعاطفيته. لم تكن الدوحة ساعتئذ قبلة للصحافة ولا لدور النشر، اللهم سوى عدة مجلات مصرية ولبنانية أذكر منها الحوادث، وكويتية وبعض الصحف العربية اليومية؛ والتي تصل متأخرة وتفقد بالتالي حتى قيمتها الإخبارية. وعيت كذلك من خلال القراءة بوجود ما يسمى معارضة وبالخلاف السعودي المصري قبل الأزمة وأسبابه. كل هذه الأمور لم تكن واضحة لي قبل القراءة بالشكل الموضوعي، كان خطاباً واحداً موجها نحو مواطن عاطفي أسرته الكاريزما وملك الحلم العربي كل جوانحه. بعد تلك الفترة رجعت أبحث عن كتب قديمة كان لها تأثير لم نشعر به نحن هنا في هذه المنطقة ساعتها مثل كتاب «معالم على الطريق » لسيد قطب. علمتني النكسة أن لا أقرأ باتجاه واحد ولا أتخذ موقفاً من خلال كتاب واحد ولا حتى من كتابين لم أطلع على الآخر المخالف ليتكون لديَّ الرأي من وضوح الطرفين والحجتين. علمتني النكسة أن أقرأ مجتمعي قراءة نقدية.. علمتني النكسة أن أقرأ الأسباب لا النتائج.. علمتني القراءة كذلك أن لا أحكم على الأمور دائما بالصح أو بالخطأ.. علمتني القراءة أن هناك حكماً آخر هو الحكم الاجتهادي الذي يؤخذ فردياً كاجتهاد فلا نتقاتل والأمر لا يتعدى كونه اجتهادا. بعدها أُصبت بداء القراءة فكنت أقرأ حتى صفحة الوفيات والأفراح والمفقودين وأن أبدأ بالصفحة الأخيرة قبل الأولى لإيماني بأن الأمور بخواتيمها. كنت أبحث عن الممنوع لأقرأه ووجدت أن الممنوع شيء في ذهن لا أكثر وبريقه لا يأتي إلا من كونه ممنوعاً لاغير. ماذا بعد، هل أشكر النكسة التي جعلت مني قارئاً ومن ثم كاتباً، وهل كان بكائي حينها بداية لمرحلة من الوعي الجديد بالرغم مما فيه من لوعة وألم. تعلمت أن أحترم التاريخ وشخوصه وأن أحكم عليه بظروفه. لقد كانت فترة مصيرية بالنسبة لي على الرغم من تكلفتها الكبيرة على الأمة.. لذلك فإنني لا أزال أعيش وخز الضمير الذي ربط تحول حياتي بجرح الأمة الكبير، إلا أن التاريخ درس لمن يستلهمه في أي ساعة وفي أي مكان وتحت أي ظرف. [email protected]