15 سبتمبر 2025
تسجيلقامت الولايات المتحدة يوم الإثنين 14/5/2018 بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في تحدٍّ صارخ لكل المواثيق الدولية، ما جرحَ مشاعر المسلمين في كل بقاع المعمورة، خصوصا الفلسطينيين، الذين لم يجدوا شيئًا سوى التعبير السلمي بالتظاهر، للتعبير عن غضبهم من تلك المبادرة التي تهدف إلى الإمعان في تهويد القدس، وزيادة سياسة طمس الهوية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة. وصاحب نقل السفارة اعتراف جلّي من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس عاصمة أبدية للشعب اليهودي. ولقد أعقب تلك التطورات حدوث مواجهات بين قوات جيش الاحتلال والشبان الفلسطينيين في غزة؛ سقط على إثرها أكثر من سبعين شهيداً، وجرح أكثر من 2700 شخص، في الوقت الذي وجّه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشكر لرئيس الولايات المتحدة لـ "شجاعته" على الوفاء بوعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس معتبراً أن ذلك اليوم هو يوم "عظيم" للقدس!. وبذلك تخلّى الرئيس الأمريكي عن دوره كوسيط في عملية السلام، ليتحوّل إلى مساند قوي لمخالفات إسرائيل قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي. وكانت مليونية الغضب الفلسطينية قد احتشدت لإحياء الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، وللتنديد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، واستخدمت قوات الاحتلال الرصاص الحيّ دون مبرر ضد المظاهرة السلمية، كما قامت طائرات الاحتلال بإلقاء القنابل الحارقة على المتظاهرين والخيام الفلسطينية القريبة من السياج الحدودي شرق عزة، ما أدى إلى التسبب في الإضرار في تلك الخيام. وكان الرئيس ترامب قد أعلن في شهر ديسمبر2017 قراره نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وعلى إثر ذلك أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذاك القرار الذي أيدته أكثر من مائة دولة، ودعا القرار واشنطن إلى سحب قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الرئيس الأمريكي واصل تحدّيه للمجتمع الدولي، ولم يلتفت إلى دعوات هذا المجتمع. وجاء في القرار الدولي الامتناع عن القيام بأية تغييرات لطابع مدينة القدس، أو وضعها أو تكوينها الديموغرافي، وأن اية قرارات أو إجراءات تمسّ ذلك، ليس لها الأثر القانوني، وتُعّدُّ لاغية وباطلة، ويتعين إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويُهيب القرار بجميع الدول أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس، عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر عام 1980. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت القرار رقم 181-2 في 29 نوفمبر 1947، الذي نصّ على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيمها إلى دولتين، مع الحفاظ على اتحاد اقتصادي بينهما، وتحويل القدس بضواحيها، إلى وحدة إقليمية مستقلة ذات وضع دولي خاص. وحصل أن قامت إسرائيل بعد عدوان 1967 بضم القدس ضمن الأراضي التي احتلتها واعتبرتها عاصمته الموحدة، وقد اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 242، الذي نصّ على سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وإحلال السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط. وفي عام 1980 نص تشريع للكنيست الإسرائيلي على أن القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل، ولكن مجلس الأمن أصدر القرار 478 برفض هذا الضم، وأكد أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، والرامية إلى تغيير معالم المدينة "القدس"ليس لها أي سند قانوني، وتشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، المتعلقة بحماية المدنيين. كما شجب القرارُ القانونَ الإسرائيلي الذي أعلن ضم القدس الموحدة لإسرائيل، واعتبره انتهاكاً للقانون الدولي، وطالب القرار جميع الدول عدم الاعتراف به، كما طلب من الدول التي لديها سفارات في القدس نقلها خارج المدينة المقدسة. وإثر غليان أكثر من ملياري ونصف مليار مسلم (23% من عدد سكان العالم) ضد الخطوة الأمريكية التي تزامنت مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين وقيام إسرائيل، طالبت قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي عُقدت يوم الجمعة الماضي في اسطنبول، طالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على حدود غزة، وإرسال قوة دولية لحماية الفلسطينيين. وحمّلت القمة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الأعمال الوحشية التي مُورست ضد الفلسطينيين وأدت إلى مقتل 70 منهم على الأقل، وإصابة نحو 2700 شخض يوم 14/5/2018. وجدّد البيان الختامي للقمة رفضه للقرار غير المشروع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل المحتلة، واعتبره باطلاً بموجب القانون. كما اعتبرت القمة قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة واشنطن والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، انتهاكاً للقرارات الدولية، وهجوماً على الحقوق التاريخية والقانونية والطبيعية والوطنية للشعب الفلسطيني، وتقويضاً متعمداً لكافة مبادرات السلام، وتهديداً للسلم والأمن الدوليين. وفي ذات القمة، أعلن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ضرورة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في المجزرة التي جرت على يد قوات الاحتلال، وطالب باتخاذ خطوات عملية لإزالة الاحتلال، وهي – كما جاء في بيان سموه – المقدمة لأي حل عادل، ومن دول الحل العادل لقضية فلسطين وإنصاف شعبها، لا يمكن وقف هذا النزيف المتواصل منذ سبعين عاماً. كما طالبَ سموهُ بوقف حصار غزة، مُعتبراً أن الطريق إلى الحل العادل هو تسوية تاريخية تتمثل بإقامة دولة فلسطين في المناطق التي احتُلت عام 1967 (أي على أساس 22% من أرض فلسطين التاريخية، وعاصمتها القدس الشريف). ووسط صمت عربي/ إسلامي، تجاه ما ترتكبهُ قوات الاحتلال الإسرائيلي من ممارسات خارجة على القانون، وتداعيات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، انتقد الرئيس الفنزولي نيكولاس ما دورو الزعماء العرب على – ما أسماه - نومهم، وصمتهم، وقال: متى تستيقضون وتدافعون عن الشعب الفلسطيني، يكفيكم النوم! أنا رئيس ومن قهري يخرج الوجع، وأنا أشاهد الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. وكان مندوب بوليفيا في مجلس الأمن الدولي قد قال في كلمة له: أيها الفلسطينيون، نحن آسفون لأننا سمحنا لقادة احتلال غاشم بقتلكم بدم بارد. نحن آسفون لأننا فشلنا في إعادة خمسة ملايين فلسطيني إلى أرضهم السليبة، ونحن آسفون أيضاً لأن دول عظمى – هي أمريكا – تجيءُ بقوة السلاح، لوضع هذا المجلس، بقوة السلاح، كي يقتلكم. ولأن هذه الدولة العظمى - التي نجتمع على أرضها – ستستخدم حق النقض (الفيتو) للمرة الألف، حماية للمجرمين. هذا كلام لرئيس دولة تبعد عنا وعن فلسطين عشرات الآلاف من الكيلومترات، يحمل الهم الفلسطيني، في الوقت الذي كمنَ فيه بعض الزعماء العرب في جحورهم، ولم يتكلفوا عناء السفر لثلاث ساعات إلى اسطنبول للمشاركة في قمة التعاون الإسلامي! ألا يدعو الأمر إلى التعجب والأسى؟ بل والتشكك في مواقف بعض الدول العربية التي "تطبخ" وليمة جديدة للقضاء على ما تبقّى من أرض فلسطين؟. أليس من حق المواطن العربي بمن فيهم الفلسطينيون أن يتساءلوا: ما سببَ كل هذه الانتكاسات المتواصلة والتراجع الواضح للقضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي؟ بل والتراخي في قبول أضعف الحلول المفروضة في قضية العرب الأولى؟. هل تتذكرون الخُطبَ "العصماء" لبعض الزعماء العرب في كل محفل عن الحق العربي، وعن تدمير تل أبيب، وعودة كل الفلسطينيين إلى أرضهم السليبة؟ ثم تحوّل الأمر إلى شعار السلام (إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط على أساس الدولتين، وأن تكون القدس العربية عاصمة للدولة الفلسطينية)؟ وفي المؤتمر الأخير لمنظمة التعاون الإسلامي، برزت مفاهيم جديدة حول الجزء الشرقي من القدس عاصمة لفلسطين، لا القدس الموحدة، التي ضمنها القرار الدولي 242. أليس من حق المواطن العربي أن يسأل: لماذا كل هذا العنفوان والغطرسة والصلابة، لدى الجانب المعتدي "إسرائيل"، وكل ذلك الهوان، والذل والضعف لدى الجانب المُعتدى عليه "العرب"؟. المواطن العربي من حقه الحصول على إجابة!.