13 سبتمبر 2025
تسجيلتجري الثورة المضادة في ليبيا بهدف التفكيك والتقسيم. هي لا تستهدف السلطة والسيطرة على الحكم في كامل البلاد، بل تستهدف تعطيل ومنع إقامة دولة –مركزية-ونظام سياسي في ليبيا كاملة، ونقل البلاد إلى وضعية الانقسام والتفكك. وذلك ما يفسر طرقها الغريبة المريبة التي تظهر عليها وتختفي من آن لآخر، ويكشف أبعاد خطتها في صناعة الأزمات، أزمة تلو أخرى، مع تصعيد عبثي للتالية عن السابقة، دون طرح أي بديل وطني.المعركة الجارية في ليبيا منذ إسقاط الطاغية القذافي، لا يمكن الاكتفاء عند حد وصفها عند حد أنها معركة بين فلول القذافي والثوار، إذ هي معركة تجري بين تيارين متعددي الأطراف، وضمن سياق صراع القوى الدولية والإقليمية حول بقاء ليبيا موحدة. هي معركة تجري بين تيارين، أولهما تيار يسعى لبناء دولة ونظام سياسي ديمقراطي لليبيا كاملة، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل الإسلاميين –كما كان الحال في مصر-يرفضون ويحجمون عن الانجرار إلى المواجهة والعنف والاقتتال والاحتراب، ويصرون على استكمال بناء الدولة والنظام السياسي بالآليات الديمقراطية، وتفويت الفرصة على خطة الطرف الآخر. هذا التيار قلبه وجوهره الحركة الإسلامية التي تتوفر لها مساحة هائلة من التأييد بحكم طبيعة ثقافة المجتمع الليبي.والتيار الثاني، هو تيار خليط، لا تقوده روح العمى والكراهية للإسلام والإسلاميين فقط، بل تقوده فكرة وخطة تقسيم ليبيا، إذ هو يعلم أنه لن ينجح في السيطرة على ليبيا كاملة، وأن الحركة الإسلامية مختلطة بالحالة القبلية ومنتشرة في مختلف مناطق ليبيا دون استثناء، وهي أيضاً في وضع ميداني لا يمكن هزيمته إلا بحرب طويلة ممتدة، وحتى تلك غير مضمونة النتائج. هو تيار يضم فلول القذافي وكثيرا من القوى العلمانية والليبرالية والقبلية والجهوية، ويستند إلى قوى إقليمية ودولية.بين التيارين يجري الصراع على ليبيا وتنقلب الأدوار، حيث الإسلاميون هم الديمقراطيون وبناة الدولة والنظام السياسي على أساس صندوق الانتخاب، فيما التيارات العلمانية والليبرالية والجهوية –وبقايا فلول القذافي-هي من يسعى للفوز باستخدام أدوات العنف بحكم ضعف جماهيريتهم، ولذا هم يعتمدون على ما تبقى من جيش أو كتائب القذافي. وفى الخلفية وربما بشكل أكثر أهمية في التأثير على مجريات الحدث خططيا، تجري تفاهمات وصراعات دولية وإقليمية، فليبيا مصابة بلعنة النفط، الذي يتحول عند وقوع النزاعات الداخلية، إلى نقمة. الدول الكبرى لا ترى في ليبيا إلا النفط ومساحة الأرض الممتدة إلى داخل إفريقيا، حيث شرايين نفط وثروات أخرى في تشاد ودارفور. تلك الدول تخشى من تشكيل دولة ديمقراطية يقودها إسلاميون في ليبيا، إذ ذلك يمثل نقلة خطيرة للغاية على صعيد الإقليم بل والعالم، إن لم يكن لأن الإسلاميين صاروا يحكمون بلدا عربيا نفطيا، فلأن النفط لن يكون كما كان.تلك حسابات القوى وخطط الأطراف. ولذا لم تكن مصادفة أن تخطو ليبيا خطوات هائلة نحو تشكيل دولة دستورية ديمقراطية بحكم قناعة ودور وضغط الإسلاميين، وأن تترافق كل خطوة في هذا الاتجاه مع أعمال قتل واغتيال وقصف من الطرف والتيار الثاني -وكان آخرها أن تزامن الهجوم الأخير مع بداية الانتخابات البلدية في طرابلس –وأن يكون المؤتمر الوطني المنتخب مكانا للهجمات العسكرية، وأن تصل الهجمات في بني غازي حد استخدام سلاح الطيران.خطة الثورة المضادة في ليبيا تجري عبر إفشال تشكيل أي نمط مستقر للحكم، ولذا جرى تهديد كل رؤساء الوزراء ويجري شل محاولات تشكيل الجيش وأجهزة الدولة عبر أعمال عسكرية، وتجري عبر أعمال إخافة السكان وإثارة الاضطراب في حياتهم اليومية، كما يجري التركيز على إثارة النعرات القبلية والجهوية.والمزعج أن محاولة الانقلاب الأخير جاءت تتويجا لكل أعمال الفوضى، ونجحت في تشكيل حالة من عدم الاستقرار للمواطنين، وتلك أحد أهم مؤشرات نجاح الثورة المضادة، فهل يدفع ذلك الإسلاميين للانتقال من الدفاع الإيجابي إلى الهجوم؟ وهل يستثمرون انكشاف بقايا فلول القذافي داخل الجيش الليبي لحسم خيارات جهاز الدولة؟