24 سبتمبر 2025

تسجيل

عندما يصل النظام السوري إلى مرحلة تصدير أزماته

23 مايو 2012

يستمر النظام السوري في تصدير أزمته الداخلية، من خلال سياسة خلط الأوراق داخليا وخارجيا في محاولة منه لسحق الثورة الشعبية في بلاده، والاستمرار في حكم شعب كره بقاءه بعد أكثر من أربعة عقود، ولعل أهم ألاعيبه في هذا الصدد: عسكرة الانتفاضة، ونسبتها أو نسبة جزء منها إلى التنظيمات السلفية، وبخاصة تنظيم "القاعدة"، وخلق القلاقل لنقل الأزمة القائمة في سوريا من محيطها الداخلي المحلي إلى أتون صراعات إقليمية ودولية، وشعاره في كل ما سبق: " أنا أو الطوفان". فمنذ الأيام الأولى لقيام الثورة السورية، ورغم سلمية حراكها مائة بالمائة، حرص النظام على إسباغ " العسكرة " عليها، ونسبتها إلى جماعات "سلفية" تارة و"إرهابية" تارة أخرى، تقوم بعمليات قتل ضباطه وجنوده، في محاولة منه لتشويه صورتها الحضارية، وإيهام العالم بأنها ليست حركة احتجاج شعبي، تريد استرداد الحرية والكرامة لأصحابها، وكان يعتمد في ذلك ـ ولا يزال ـ على الدعاية، ومنع وسائل الإعلام ميدانيا من تقصي الحقيقة عن كثب. ما يؤكد أن الأمر محض اختلاق ومراوغة هو أن النظام كان يتخبط في البداية بين نسبة الأعمال العسكرية المزعومة للثورة إلى جماعات سلفية أو موالية لإسرائيل، أو من "الإخوان المسلمين"، ثم الفضيحة المجلجلة لوزير خارجية النظام فيما بعد حينما حاول ـ على حد زعمه ـ في مؤتمر صحفي إثبات وجود عمليات إرهابية في الحراك الثوري، فاتضح أن الصور التي عرضت كانت في لبنان وليس في سوريا. وكان مما يلفت الانتباه في أسطوانة النظام المشروخة ودعايتها الكاذبة أن مظاهرات بلغ تعدادها مئات الآلاف كما في ساحة العاصي بحماة لم يحدث فيها عنف أو مقتل، لأيام طوال، وكذلك الحال في مدن أخرى كدرعا، بينما حدث القتل المختلق في الزمان والمكان الذي يريده النظام، وكان ملحوظا أيضا أن القتل والعنف لا يقعان إلا في صفوف مظاهرات الحراك الشعبي المعارض للنظام، بينما لا يقع ذلك مطلقا حينما ينظّم النظام المسيرات المدبّرة، بقصد إظهار الولاء والتأييد له. تطور الأمر رويدا إلى استخدام السيارات المفخخة، وكان ذلك أول ما حدث متزامنا مع أول زيارة للمراقبين العرب، واستمر هذا المسلسل واتسع نطاقه مع زيارات المراقبين الدوليين، وختمت القصة بادعاء دخول القاعدة على خط الثورة، وتسلسل " إرهابيين " منهم عبر الحدود، وحتى تكون الأمور محبوكة تماما، فقد حول " جعفري" النظام السوري طرابلس وشمال لبنان إلى بؤرة للإرهاب وتصدير السلاح ومسرحا للقاعدة تصول فيها وتجول، بالتعاون مع حلفاء النظام هناك، ولعب على الوتر الذي يطرب واشنطن والغرب، ويظهره بمظهر الضحية في الوقت نفسه، وهو أثار انزعاج رئيس الحكومة اللبنانية ـ القريب من النظام ـ بسبب ما سببه له ذلك من حرج بين أبناء منطقته. ويستمر النظام الذي طالما حذّر غير من مرة بإشعال المنطقة، في هذا الاتجاه، فيضع لبنان على فوهة بركانه، هذا ما يشير إليه الاقتتال بين السنة والعلويين في درب التبانة، وعملية قتل الشيخين أحمد عبدالواحد ومحمد حسين مرعب في عكار، المحاذية للحدود السورية اللبنانية هذا الأسبوع، وفلسفته الماكرة تتلخص بتصدير أزماته، والسير على هدى المذهب القاتل " عليّ وعلى المنطقة " طالما أنه قد شعر بدنو رحيله. قد يكون النظام السوري منتشيا، وهو يشعر أن هناك من بدأ بتصديق أكاذيبه، على المستوى الدولي، كما بدا من تصريحات أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، أو لأن عملية تصدير مشاكله قد باتت تؤتي أكلها في لبنان، لتريحه ولو لبعض الوقت، وتصرف الأنظار عن جرائمه اليومية، وقمعه وبطشه الدموي، لكن هذا ليس إلا كفعل المسكّن، الذي يخفف الآلام ولا يعالجها، وذلك لأكثر من سبب: ـ إن الشعب السوري وهو "دينمو" الحراك الثوري، مازال ماضيا في مشروعه الرامي إلى إسقاط النظام، وإنّ كل اتهامات النظام لحراكه بالعسكرة والسلفية والإرهاب، ومسلسل التفجيرات، لم يوقف حراكه السلمي ليوم واحد، أو يدفعه للنكوص على عقبيه، فضلا عن أن يصدق ولو لمرة واحدة أكاذيب دعاية النظام. ـ لجوء النظام إلى تصدير أزماته علامة مؤكدة على وضعه الحرج، وعدم قدرته على التحكم بالوضع الداخلي بنفسه، وفقدانه السيطرة عليه، وهو ما يعني ضمنا بداية نهايته. ـ إشعال الحرائق في الأجواء المضطربة الهائجة يصعب التحكم فيها، والسيطرة عليها، وغالبا ما تؤذي موقدها، دون أن يقتصر خطرها على من حولها فحسب، فكيف إذا غذّيت بوقود الطائفية وإضرابها.. فإن خطرها سيكون أكبر، وضررها أعمّ. ـ تأليب مزيد من الكارهين له على مستوى الشعوب والأنظمة في المنطقة ضده، وهو ما سيستدعي ممارسة مزيد من الضغوط لمواجهة وبائه الذي قد يستشري أكثر فأكثر، في حال عدم رحيله. لن يجدي النظام السوري الهروب من استحقاقات ثورة شعبه الذي انتصر على الخوف بداخله، وبدا مصمما على انتزاع حريته، حتى وإن خدع العالم بماكينة دعايته، أو نجح في تصدير أزماته، وأطال ذلك في عمره، لبعض الوقت.. فهو راحل لا محالة، لأن سنة الله في زوال الظلم ماضية، ولن تجد لسنة الله تبديلا.