16 أكتوبر 2025

تسجيل

مع "المتنافسين 2 " في الميدان

23 أبريل 2014

قد لا يكون كافيا في تقديري أن يكون تقييم منظمات المجتمع المدني ومن ضمنها المؤسسات الخيرية والإنسانية مبنيا فقط على حجم ما تنفِّذه من برامج ومشاريع أو ما تقدّمه من خدمات وعدد المستفيدين منها، أو على مدى قدرتها في استقطاب الدعم المالي لصالح أعمالها وخدماتها.. على أهمية ذلك، وإنما ينبغي أن يضاف إلى ذلك معايير أخرى من أهمها: قدرتها على تفعيل قدرات وطاقات أفراد المجتمع الذي تنشط فيه، والاستفادة منها وإشراكها في أعمالها ومشاريعها، وكسب الحشد والتأييد المجتمعي لها ولمبادراتها التي تطلقها..وهنا قد يكون الأمر معنويا وليس بالضرورة ماديا، يضاف إلى ذلك الاهتمام بنوعية المشاريع المقدمة وجودتها وحجم الابتكار والتجديد فيها، بشكل تكون فيه جاذبة ومثيرة للاهتمام، وأخذ زمام المبادرة لتلبية احتياجات لم يتم التطرق إليها من قبل، ومدى ديمومتها واستمراريتها، وحجم الأثر التنموي الذي تحدثه وإحداث فرق في حياة الناس. أعجبتني حملات ومبادرات جمعية قطر الخيرية الأخيرة التي استطاعت تحقيق العديد من هذه المعايير التي تم التنويه فيها أعلاه، وآخرها حملة " المتنافسون"، التي تمّ إطلاق النسخة الثانية منها مؤخرا، وتدشينها بزيارة فريقها الجديد، والمكوّن من ثلة متميزة من الشباب القطري المتميز، بأطيافه المختلفة..إلى الأردن لتلمس معاناة اللاجئين السوريين. قدّرَ لي أن أرافق الوفد في رحلته تلك، قبل أيام قليلة، وأن أكون قريبا من عدد من أعضاء الفريق.لذا فإن مصدر الإعجاب بالحملة كنموذج للمبادرات المتميزة نابعٌ مما يلي: ـ تجديد فريق الحملة أو المسابقة، بمعنى أنه مكوّن من شخصيات جديدة مختلفة عن شخصيات العام الماضي، وهذا يعني استقطاب مزيد من الأشخاص لصالح المبادرات التطوعية للجمعية، ودمجهم في دعم مشاريع العمل الإنساني، واستثمار قدراتهم المختلفة في هذا المجال.ـ الفريق مكوّن من مجموعة متميزة من المجتمع القطري، ويعكس اختيارا موفقا من زوايا متعددة، فهو لا يقصر العمل الإنساني على شريحة دون أخرى، ولا يجعله مختصرا في سن أو جنس أو عمر معيّن، فالفريق من حيث التخصص فيه الطبيب والمهندس والإعلامي والتربوي والداعية والرياضي ورجل الأعمال وغيرهم، ورغم أن غالبية الفريق هم من الشباب إلى أن فيه من هو في الخمسين من العمر أو قريبا من ذلك، ولم يغب العنصر النسائي عن الوفد الذي زار الأردن حيث كان يضم 4 شخصيات نسوية، من أصل 18 شخصية، كما ضم الوفد طفلا في الحادية عشرة من عمره. وهذا التنوع فيه الكثير من الغنى والثراء الذي ستكون له انعكاساته في مجال استقطاب الدعم المادي والمعنوي والحشد والمناصرة للمشاريع الإنسانية التي سيسعى الفريق ويتنافس في مجالات خيرها الواسعة خلال الفترة القادمة.ـ إدخال زيارة اللاجئين في برنامج حملة المتنافسون هذا العام كان موفقاً جدا، لأنه ترك تأثيرا بالغاً في نفوس أعضاء الفريق، لجهة تلمس معاناة السوريين، والظروف الصعبة والقاسية التي يعيشون فيها، والاحتياجات الأساسية، حيث شملت الزيارة مخيم الزعتري وتجمعات تضم خياما في قرب الحدود السورية الأردنية، ومساكن للجرحى الذين أقعدتهم إصاباتهم واضطرتهم لبتر بعض أعضاء أجسامهم كالساق أو القدم أو اليد.. وأصابت بعضهم بالشلل.. وهو ما يسهم في قدرتهم على نقل هذه الصورة للمجتمع القطري والتوعية باحتياجات اللاجئين السوريين، والتأثير في هذا الجانب، وحشد الدعم لإقامة مزيد من المشاريع الإغاثية والتنموية لصالحهم.ـ تشجيع التطوع في الشباب القطري عموماً، واستقطاب مزيد من المتطوعين لصالح حملة المتنافسون في نسخها التالية في الأعوام القادمة خصوصا، فكثيرون من الشباب تعرّفوا سلفاً على الرحلة والحملة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، وبعض أعضاء فريق الحملة لهذا العام جاءت رغبتهم بالانضمام لها بسبب الأثر الطيب الذي تعرفوا عليه من أعضاء فريق الحملة للعام الماضي. وقد كان هاشتاق "المتنافسون 2" من أكثر الهاشتاقات تداولا في شبكات التواصل أثناء زيارة الوفد للأردن لدعم اللاجئين، كما أوردت ذلك صحيفة العرب.ـ وجود طفل بصحبة هذه الرحلة الطيبة أضفى عليها رونقا خاصا عليها، إذا كان " فضل " ـ 11 عاما ـ يرافق أعضاء الفريق في كل جولاته، وكان يقدّم المساعدات معهم، ويقترب من الأطفال اللاجئين، وربما كان قريبا منهم أكثر من الكبار بحكم السن.أجزم أن الرحلة أثارت كثيرا من الأسئلة لدى هذا الطفل، وهو يقارن بين بيته الجميل وخيمتهم التي تعصف بها الرياح، أو بين نظافة ثوبه والغبار الذي تغطّي وجوههم وملابسهم، ولا شك أنها غرست فيه كثيرا من بذور الخير في أعماقه، منذ نعومة الأظافر. وهذا المسلك ينبغي أن يحرص كل الآباء والمربين عليه مع أطفالهم وطلّابهم كما أرى.. وأقصد الزيارات الميدانية لميادين معاناة الفقراء والمحتاجين ومنكوبي الكوارث والحروب..من أجل استقصاء احتياجاتهم.. مصحوبة بتقديم العون والمساعدات لهم..لأن هذا من شأنه غرس قيم العطاء والبذل والتطوع والإيثار التي تحضّ عليها الأديان السماوية وأخلاق الأمم الحميدة وفطرتهم السليمة، لتكون الخيريّة وخدمة الناس والمجتمع سلوكا أصيلا عند كبره.عندما سألته ماذا ستفعل بعد عودتك من عمّان إلى الدوحة لم استغرب أن يقول لي أنه سيحدّث زملاءه عما رآه من مشاهد مؤلمة في حياة اللاجئين وأنه سيطلب من طلاب فصله الدراسي أن يساعدوهم. تماما مثلما تحدثت إلى الكبار، فوجدت أن هناك من يريد أن يجسد المعاناة بصورة إبداعية من خلال رسوم الكاريكاتير التي يمارسها، أومن يريد تسليط الضوء على معاناة السوريين من خلال القصص الإنسانية وإبرازها إعلاميا، ومن يريد أن يستثمر المجالس وغيرها من أجل عرض هذه التجربة على العائلة والأقارب والأصحاب. بعد الزيارة سينتظر هذا الفريق عمل دؤوب وتنافس شريف لجمع التبرعات والدعم لصالح الأعمال الخيرية وفي مقدمتها إغاثة السوريين، وما أكثر احتياجاتهم بدءا بتوفير المأوى والغذاء، ومرورا بالصحة والتعليم والدعم النفسي، وليس انتهاء بالمياه والإصحاح. نأمل أن تكلّل النسخة الثانية من هذه الحملة بالنجاح والسداد، وأن تكون أسوة تحتذى للمؤسسات الإنسانية والطوعية والشبابية في اجتذاب الشباب إلى العمل الإنساني والإغاثي وتقديم الوقت والخبرة والمال والمناصرة له في المجالات المختلفة، واستثمار طاقاتهم في خدمة المجتمعات الفقيرة والمُعوزة، بأسلوب جديد وفعال وعمليّ وجذاب.