13 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت مدينة بوسطن الأمريكية الأسبوع الماضي عملية تفجير ذهب ضحيتها شخصان وأصيب عدد من المشاركين في الماراثون السنوي المشهور بتلك المدينة، وفي لحظة انتشار خبر الحادثة هرعت كل طواقم الأمن ومكافحة الإرهاب والتحقيقات الفيدرالية نحو موقع الحادث، وانشغل الإعلام الأمريكي بمناقشة الحادثة المأساوية، واتخذت إجراءات أمنية احترازية عالية المستوى أهمها الحضر الجوي فوق أجواء المدينة والعاصمة واشنطن وتشديد إجراءات الأمن حول البيت الأبيض، قبل أن تطارد قوات مكافحة الإرهاب الشقيقين تامرلانك وجوهر تسارناييف حيث قتل الأول واعتقل الثاني بتهمة التورط بتنفيذ تلك العملية ولا يزال الأخير بحالة صحية حرجة، فيما ماتت تفاصيل كثيرة مع موت تامرلنك أو تيمورلنك. هذا كله مفهوم في سياق الأمن الوطني الأمريكي، والتركيز عليه إعلاميا، ولكن من غير المبرر حذو قنوات الإعلام العربي وانشغال مواقع التواصل الاجتماعي بالحدث لساعات طويلة يوم وقوعه، ولمستجداته على مدى أيام، وكأن الحادث كان في كل بيت من بيوت جماعتنا العرب، في المقابل فإن حوادث أخرى وقعت خلال السنوات الماضية وفي داخل الولايات المتحدة خلفت عشرات القتلى، ولعل أبرزها الهجوم على مدرسة للأطفال أدى إلى مصرع 21 طفلا، بعد أن فتح الجاني ـ الإرهابي أيضا ـ النار عليهم، ولم يستدع ذلك كل تلك الضجة والإجراءات التي رافقت حادثة بوسطن، ولم يناقش الأمر على أنه تهديد للأمن القومي الأمريكي، والسبب باعتقادي أن الجاني ليس مسلما وليس عربيا. إذا فأي حادثة مهما كانت موجعة قد تتعامل معها دوائر السياسة والإعلام في أمريكا على أنها قضية فردية ومرتكبها لا يغدو عن كونه مجنونا أو مصابا بلوثة، فيما أي اشتباه أو شك قد يقع على شخص عربي أو مسلم تصنع منه قضية رأي عام كبرى، ويناقش على أعلى مستويات الإدارة الأمنية والعسكرية والسياسية هناك، وهذا يذكرنا بالمواطن الأردني حسام الصمادي الذي لا يزال معتقلا بتهمة التخطيط لتنفيذ تفجيرات إرهابية عام 2009 رغم أن تصريحات صحفية للشرطة الفيدرالية قالت إن عملاء فيدراليين هم من استدرجوا ذلك الشاب بعد مراقبة سلوكه عبر مواقع الإنترنت، رغم أنه لا يوجد سوى شاهد واحد هو ضابط تولى تعقبه. هذا بالتالي يدل على الرعب المسكونة به كبرى أجهزة الأمن الأمريكية الأضخم عالميا والأكثر معلوماتيا وحرفية، ويدل على الحساسية العالية جدا وغير المبررة ضد ماهو عربي أو إسلامي، رغم أن أي إجراء تتخذه سلطات الأمن هناك هو مبرر من الناحية الإجرائية بدعوى الحفاظ على الأمن القومي، ويغذي هذا الشعور الحساس بصراحة العقلية المتخلفة التي لا تزال تسكن رؤوس العديد من الشباب المسلم الذي يظن أن نهاية أمريكا على يد قنبلة، أو دخول الجنة لا يكون إلا من باب قتل مواطن غربي، وهذا بالتالي يعطي المبرر للسلطات الأمريكية اتخاذ كافة الإجراءات التي تمنع وقوع مثل تلك الحوادث، واعتبار كل متحرك إسلامي هو هدف إرهابي محتمل للأسف. أمريكا منذ أحداث سبتمبر 2001 تغيرت فيها كثير من الأمور، فالجمهوريون غادروا البيت الأبيض بعد ثماني سنين عجاف قاد فيها رئيسهم الجمهوري بوش حروبا ضد أشباح الإرهاب في أفغانستان ثم العراق، ومطاردة تنظيم القاعدة الممتد عبر العالم بفكره لا بذاته، وبعد عشرة أعوام رفعت صورة زعيم التنظيم أسامه بن لادن من قائمة المطلوب الأول بعد تصفيته في باكستان، فيما المجتمع الأميركي الذي تحول ضد العرب فجأة بعد استهداف البرجين والبنتاغون، أصبح اليوم يغير في نمط تفكيره نحو الآخر وهم العرب، وأصبح حريصا أكثر على أن لا يرمي التهم جزافا كما حدث في الماضي، وهذا ما حدا بالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التروي وعدم الاتهام قبل أن تظهر نتائج التحقيق، ولكن للأسف كان الهدف مسلما ونتيجة التحقيق تؤشر على شقيقين الأكبر كان مراقبا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لثلاث سنوات سابقة وتم التحقيق معه، والثاني طالبا ملتزما بدراسة في الجامعة ومشاركا جيدا مع أصدقائه. المهم في الأمر أنه في كل مرة تتعرض الولايات المتحدة إلى خطر يبرز العدو بديانته الإسلامية لدى قوى الضغط هناك، فيما تبرز فكرة أمريكا الجاني الذي صنع من نفسه ضحية لدى المناوئين لها، ولأن المسلمين لم يفعلوا شيئا لاختراق الرأي العام وقوى الضغط الأمريكية، فسيبقى الفاعل مسلم بالدرجة الأولى، حتى تضحد الأدلة شكوك المحققين، وإلا سيبقى العرب المسلمين متهم محتمل في أي قضية تتعلق بالإرهاب حسب المواصفات الأمريكية، وسيبقى العرب متهمون في العقل الباطن لدى الغرب، في المقابل سيبقى اليهود والعنصريون من المواطنين الأميركيين أبرياء، ضحايا لضغوط نفسية، حتى لو حاول أحدهم قتل الرئيس الأمريكي نفسه.