24 سبتمبر 2025
تسجيلالحمد لله على أن بلّغنا الشهر الكريم. ولكن لماذا لا أجد قلبي في رمضان، لماذا يحدث الفتور لأغلب الناس بعد أيام قليلة من استقبال الشهر الكريم. والإجابة على هذا السؤال بسيطة جدا، ذلك أننا نركز على العبادات الخاصة بالجوارح ولا نركز على العبادة الخاصة بالقلب. نكثر من قراءة القرآن والذكر والصلاة والعبادة، ولكن ماذا عن القلب ما الذي يجب علي فعله كي أنقذ قلبي قبل أن يقبل علي رمضان حتى لا أستقبله بقلب خاوٍ. بخطوات عملية أردت أن أشاركم اعزائي القراء لمساعدتكم على إنقاذ قلوبكم قبل رمضان من خلال تلخيصي لبعض الدروس. لماذا لا أجد قلبي في رمضان، لأن القلب يكون بداخله صراعات كثيرة، فقلوب الخلق معظمها مليئة بالحرائق، فإنسان يفكر بالترقي لدرجة أعلى، وآخر مشغول بطلبات اسرته، وأخرى بمتابعة آخر صيحات الموضة، أو متابعة فضائيات منتنة. كلها موضوعات لا علاقة لها بالإيمان. تصور معي حالة هذا القلب، وهو في حالة من هذا الحريق الدنيوي إذا دخل عليه رمضان، فهل يستطيع أن يتهيأ للعبادة المطلوبة منه لرمضان؟. قلبه ليس به متسع ليدخل إليه رمضان، قلبه مشغول بسيارته الفارهة أو النظر إلى ما في يد غيره أو التخطيط لإجازته. هو يريد أن يهيئ نفسه لمتسع من الوقت لعبادة الجوارح وليس للقلب. لكن الاستعداد الحقيقي لرمضان يكون بإعداد القلب وإزالة الشواغل الدنيوية لتفريغ مساحة تتسع للإيمان، مساحة تتسع لإقبالك على الله. المصيبة الحقيقية أن يقظة القلوب غير موجودة، مسائل الدنيا التهمت القلوب، فالقلب به ورم إسمه حب الذات، يرى أو ترى نفسها لا تقبل من أحد نصحاً أو كلمة لأنها لا تناسب وضعها ومكانتها الاجتماعية. وهناك ورم اسمه حب الدنيا،هذا الحب يشغل الحيز الذي جعله الله لينشغل بمعاني الإيمان. حب الدنيا كلمة ضخمة ككلمة الدنيا، وحب الدنيا ليس شرطاً أن يكون تمني قصور فارهة، ولكنه قد يكون ساعة أو نظارة أو شنطة لافتة. حب الدنيا قد يكون نوعية فراش كذا وكذا أو سيارة موديل كذا وكذا، حب الدنيا مسائل بسيطة ولكنها تظل تعلق بالقلب فيصبح القلب مثل القطنة البيضاء التي وضعت في الهواء، فتبقى تلتقط من الغبار والسواد والحشرات حتى تصبح في غاية السواد والبشاعة، فتؤدي إلى تورم القلب. هناك ورم آخر اسمه النظر للآخرين، (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون؟ )،وليس النظر للآخرين شرطاً أن يكون دافعاً للحسد، ولكنه مجرد الغيرة، لو أن عندي مثل فلان وفلان. فيظل القلب به هذه التورمات حتى تشغل حيزا كبيرا منه، فيصبح لا يوجد لديه أي متسع ليتلقى معاني الإيمان. رمضان يقترب والقلب غير مهيأ أصلاً. هذه المشكلة التي ربما من أجلها ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في المسلمين شهرين سابقين، حتى يجهز القلوب لرمضان ولعل هذا هو السر الذي من أجله سن الرسول الكريم هذا الدعاء في رجب ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان). لكي ينشأ في داخلنا الانشغال القلبي برمضان. ولكن، لماذا أنشغل برمضان؟ لأننا في حالة سقوط عام، تتمثل في نوم عن صلوات، تقصير في حق الوالدين والابناء والرحم والجيران، تلفظ بما لا يليق، صحائف أعمال مليئة بالظلم طوال العام، فيأتي رمضان كطوق نجاة للغريق لمغفرة الذنوب، ومضاعفة الأجور. يمر بنا قطار رمضان ليسير بنا إلى جنة عرضها السموات والأرض. شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. فكيف لا اتعلق بهذا الطوق لكي انجو؟ وحتى تنقذ قلبك في رمضان، فدونك الحل الفكري أو العقائدي والحل العملي. أما الحل الفكري، أن تعلم أن هذا الحريق الذي في قلبك هو لأمور دنيوية، وكل هذه الأمور بيد الله تعالى يرسلها أحيانا ويقبضها أحيانا وليس بسعي وليس بجهد. وأنه تعالى أخبرنا بوضوح أن هذا امتحان، فإذا رأيت زميلي يصل لدرجات وظيفية أعلى، وأن منزل جاري أجمل من منزلي، فلا احسد. فالله أخبرنا والنبي أخبرنا والإسلام أخبرنا أن الله يختبر بذلك الخلق، وأنه من باب الامتحان لي أنا، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، فهو من باب الاختبار والابتلاء والامتحان، أتصبرون؟ فإذا رأيت ما في يد غيري، مما قد يحترق معه قلبي، أقول أن هذا أمر ينزله الله بقدر معلوم وينزله من باب الاختبار لي. لهذا كان سيدنا سليمان عليه السلام يقول: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر؟. فالإنسان عندما يرى عوارض الدنيا، لابد أن يرجع الأمر كله إلى الله. والحل الفكري الذي يتمثل في العقائد أو الأفكار، ليس هو الحل وحده الذي ينقذ الإنسان،لان المعلومات التي لدينا كثيرة والمثقفون كثر، ولكن الذي ينقذ الإنسان هو أن يذوق وركز معي في هذا اللفظ يذوق، نحن نريد أن نتذوق هذه المعاني، فقضيتي هي قلبي. لأن قلبي لن يقوى على حمل العبادة ما لم يكن هناك تذوق لما لديك من معلومات. فيأتي الحل العملي، فإذا بدأت ترى بعينك من ابتلاهم الله في غرف العناية المركزة، وقد وضعت عليهم ما تتخيل من أجهزة، وهم لا يملكون من أمرهم شيئا. كان هولاء يتنافسون على الدنيا، كانوا يتنافسون على الدرجات الوظيفية على الأموال والتجارة وفرص الكسب والبورصة. انظروا إلى أهل البلاء لتحدث الموعظة ليحدث الحراك القلبي حتى يحدث التوسع قليلاً في القلب المتورم بحب الذات والموضة والدنيا. اذهبوا لتروا واقعة الدفن، وانظروا كيف ترعى الحشرات في القبور، البنت تبكي أباها والابن يبكي أمه والزوجة تبكي زوجها. وبعد لحظات من الدفن، تبدأ الحشرات في مهاجمة هذا الجسد. انظروا إلى أحوال المقبورين، إنهم كانوا ملء السمع والبصر، إنهم كانوا سادة بين الناس، ولكن انظروا إلى المآلات. حتى تأتي المشاعر للقلب، اقضِ يوما في المستشفيات ويوماً في المقابر ويوما مع أصحاب البلاء ويوماً مع أصحاب الهامات والوزراء الذين فقدوا مناصبهم. انظروا إلى هذه المآلات لتعلموا أن ما يشغل العبد هو شواغل كاذبة. الله تعالى أرسلها إليه في ومضة ليختبره، أو قبضها عنه أيضا ليختبره، فلو انشغل الإنسان بشيء ألقي إليه من الله عن الله لهلك. الله تعالى يجعل هذه العوارض، والمطلوب منا النظر في المآلات. علينا النظر فيما يؤول إليه أمر الغني، وأمر المرأة الحسناء، وما يؤول إليه أمر المرء بالموت، لنرجع إلى البيوت في آخر النهار وقد اكتشفنا أن هذا الحريق والصراع الدائم الموجود في القلب هو حول أمور كاذبة، كل دورها أنها تلهي عن الإيمان،فلا يبقى في القلب متسع لقبول الإيمان الذي يرد على القلب. كان النبي صلوات ربي عليه، يوصى واحداً بغسل الموتى، فإن معالجة جسد خاوٍ موعظة بليغة، جسد لم تعد فيه الروح صار جمادًا. فتخيل نفسي عندما اصل لهذا الوضع، يعين القلب على اليقظة. انظروا إلى أحوال الفقراء المساكين المنكوبين قبل رمضان،حتى تجدوا متسعاً في قلوبكم قبل أن يدخل عليكم رمضان ليتسع الشعور منك بحاجتك إلى رمضان. أمر آخر يساعدك على انقاذ قلبك قبل رمضان هو معايشة أنباء الآخرة تفصيلا، فلا بد أن تعرف هو العمل الذي أدى بفلان أن يدخل الجنة وبفلان آخر أن يدخل النار، لماذا زلت رجل فلان عن الصراط وفلان أوشك أن يلقى به في النار فجاء عمل فشفع له. كل هذه أمور تحدث القرآن والسنة بتفاصيلها. فالانشغال بتفاصيل الآخرة، نريد أن نعيش هذه التفاصيل، نريد أن نعلم من الذي ذهب ليشرب من يدي النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فحالت الملائكة بينه وبين النبي، ومن الذي جاءت النار لتلفح وجهه فقدر الله عز وجل ما يحول بين وجهه وبين النار، ومن الذي ذهب إلى الجنة فاغلقت أبواب الجنة في وجهه ولم تفتح له، اقرؤوا التفاصيل لتجدوا في قلوبكم متسعا يتسع لموعظة رمضان. ما يعينك كذلك على انقاذ قلبك قبل رمضان هو معايشة سير الأنبياء والصالحين، اقرؤوا الكتب واستمعوا للمواعظ حتى تصبروا على هذه الحياة وتفهموا حقيقتها، وحتى تتسع القلوب لرمضان. اجمع اسرتك على ما تفعل حتى يذوقوا معك طعم الايمان ويكونوا لك عوناً فلابد لهم أن يذوقوا ما تذوقت حتى يتحولوا من أعداء لأعوان على زيادة الإيمان في قلبك. وأخيرا تذكر لو أن رمضان هذا هو آخر رمضان لك، كم سيكون الخير فيك، كم ستجتهد، كم ستعتزل الناس وكل ما يشغلك عنه، فعش رمضان كأنه آخر رمضان لك.