30 أكتوبر 2025

تسجيل

غفلة كبيرة عن كنز ثمين!

23 مارس 2016

في إطار التحضير لمشروع ثقافي يهم العمل التطوعي والمبادرات الشبابية أشارك فيه سألت شابّا متميّزا في هذا المجال، عن الجانب الذي سيركّز عليه مستقبلا، بعد خوضه تجربة ثريّة ومتنوعة في هذا المجال امتدت قرابة عشر سنوات، فقال لي إنه يريد أن ينقل عصارة خبراته المتراكمة إلى المستجدين في هذا المجال، من خلال التدريب ووضع الأدلّة الخاصة بذلك، خصوصا أن هذا المجال لا يزال بكرا فتيا في عالمنا العربي، وربط هذا التفكير الذي يستحوذ عليه بمهارة توافرت لديه ألا وهي نقل وتوصيل المعلومات، والقدرة على إيضاحها للغير بيسر وسهولة، وحبّه للتدريس، معتبرا أنّ ذلك بالإضافة إلى كونه واجبا شرعيا وأخلاقيا ووطنيا، يعدّ اختصارا للوقت والجهد والتكاليف، فما تحصّلَ عليه في سنوات يمكن أن ينقله للمستجدّين في هذا المضمار بزمن قليل (عدة دورات ومناهج نظريّة وأدلة عمليّة).التفكير الناضج للشاب أثار في ذهني موضوع التقصير الواقع في نقل الخبرات والمعارف، خصوصا في المجالات الجديدة والموضوعات العمليّة الحديثة، التي تندرج في إطار الفنون كالإدارة والإعلام وتقنيات الاتصال والتواصل والتربية والدبلوماسية وغيرها، واندثار كثير من الخبرات الكبيرة بموت أصحابها، سواء أكان عدم الانتقال الذي نشير إليه بسبب بخل أصحابها، وحرصهم على الاستئثار بها لتبقى فوائدها المختلفة حكرا عليهم فقط، أو على أولادهم والدائرة الضيقة المقرّبة منهم في أحسن الأحوال، أو بسبب كثرة مشاغلهم، أوغفلتهم عن هذا الأمر أو زهدهم بما عندهم، أو كان عدم الانتقال نتيجة تقصير من حولهم، وزهدهم بخبرة هذه الشخصيات، وعدم إظهار رغبتهم وحرصهم على التحصل عليها بالوسائل المتاحة، أو تهيئة المناخات الملائمة لهذه العملية. في العمل التطوعي الخليجي والعربي يذكر اسم الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله تعالى الذي توفي قبل أقل من ثلاثة أعوام، كواحد من أعلام هذا المجال، الذي يحفل سجله بإنجازات إنسانية ضخمة في القارة الإفريقية.. فهل تمّ استخلاص تجربته مِن قبل مَن هم حوله، ممن يعتبرونه بمثابة مدرسة أو أستاذ كبير على الأقل؟!.. أتوقع أن تكون الإجابة بالنفي على الأرجح. ولعلّي من هذا المنبر أوجّه دعوة خالصة للطرفين أصحاب الخبرات المتميزة والممتدة من جهة، والأجيال والمؤسسات العلمية والإعلامية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة المحيطة بهم من جهة أخرى، لإيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة، والقيام بما ينبغي القيام به كيلا تضيع كنوز مهمة، وتنطمر دون فائدة، فيما كان بالإمكان أن تعود بالنفع والخير العميم على المجتمعات والأوطان والأجيال، ويكون لها دور ذو بال في نهضتها وتنميتها والارتقاء بها. ونذكّر بأنّ نقل الخبرات يكون بطرق متعددة، فمن طرف صاحبها يمكن أن يتمّ ذلك بكتابة المذكّرات والسِيَر، التي تتضمن المعارف وطرق تحصيلها، أو من خلال التدريب في الورش والدبلومات العلميّة والمهنيّة المتخصصة، وتخصيص كراسي متخصصة في الجامعات والمراكز العلميّة والبحثيّة، وعلى أصحاب هذه الخبرات ألا يتكتّموا على ما حباهم الله به، لأن هذا واجب شرعي ووطني وأخلاقي، وفضلا عن ذلك هو بركة وسعادة في حياتهم وصدقة جارية بعد مماتهم، وألا يتقاعسوا عن هذا الواجب أو يزهدوا فيه وبأهميته، مهما كانت الدواعي والشواغل، وعليهم أن يستحضروا الدور التنموي المرجو من هذا العمل الجليل. ومن طرف الآخرين المحيطين بأصحاب الخبرات فإن هذا يتم من خلال التواصل مع هذه الشخصيات وإشعارهم بأهمية ما لديهم، وحرصهم على استلهام تجاربهم والإفادة من خبراتهم، ويكون ذلك من خلال طرائق مختلفة منها: المصاحبة والتلقي المباشر، وتنظيم حلقات المحاضرات والورش لهذه الشخصيات، وحشد الناس للاستماع إليها، وتسجيل ذكرياتهم وعرضها في القنوات الإذاعية والتلفزيونية كبرنامج "شاهد على العصر" في قناة الجزيرة، أو من خلال قناة اليوتيوب وغيرها. المعارف والخبرات بضاعة ثمينة، وكنوز عظيمة على مجتمعاتنا أفرادا وحكومات ومنظمات رسمية وأهلية أن تقدرها حقّ قدرها، وعليها وعلينا أن نتذكر حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا..).