17 سبتمبر 2025

تسجيل

كيسنجر والمشهد المصري

23 مارس 2013

أحسست بمزيج من الحيرة والقلق معا إزاء مستقبل الثورة في مصر وأنا أطالع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، والتي يبشر فيها بحرب وشيكة بين الجيش المصري والإخوان المسلمين، حيث توقع كيسنجر أن يكون هناك صراع سياسي حتمي بينهما. ففي الأسبوع الثاني من هذا الشهر وخلال المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، قال كيسنجر: "كان على الولايات المتحدة أن تعامل مبارك باحترام أكثر مما فعلت، فلم تكن هناك ضرورة تدعو الإدارة الأمريكية إلى أن توجه دعوات علنية لمبارك بالرحيل من خلال شاشات التلفزيون". إن لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق دلائل كثيرة وخطيرة، وسوف تتسبب بكارثة في المنطقة في حال حدوثها، لأن مكانة مصر في الوطن العربي هي بمثابة موضع القلب في الجسد، فإن مرض القلب مرض الجسد كله، فالصراع الحالي في مصر يقودنا إلى النهاية التي يتوقعها هنري كيسنجر، وهو ما يعني حالة من عدم الاستقرار، ليس فقط في مصر، بل ستستمر الاضطرابات وتتصاعد في المنطقة بمجملها، فما يحدث اليوم في دول الربيع العربي بشكل عام وفي مصر بصفة خاصة إنما هو صراع على السلطة ظلت تدور في فلكه كافة القوى والأحزاب السياسية حتى أفقد الثورات بريقها في عيون الشعوب العربية التي كانت تتطلع إلى الديمقراطية الحقيقية، حتى تستطيع من خلالها المشاركة في بناء مجتمع يستظل بظلال الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. فعندما يتحدث هنري كيسنجر، أحد ألمع السياسيين الأمريكيين، ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، عدا عن كونه مستشاراً في السياسة الخارجية في إدارة كل من الرئيسين كينيدي وجونسون، فإنه لا بد لنا أن نتوقف ونتمعن في تصريحات هذا العجوز المحنك الذي تمرس بفعل الخبرة في إدارة المصالح الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة، ففي حال تطورت الأمور وحدثت هذه المواجهة المفترضة، فإن مصر سوف تدخل في أتون حرب أهلية تنهار معها جميع مؤسسات الدولة وتعم الفوضى وتتشكل معها كافة ألوان طيف المجموعات المسلحة المختلفة، وستتم لبنتها على غرار الحرب الأهلية في لبنان، وفي هذه الحالة لن يستطيع الجيش ولا الإخوان السيطرة على مقاليد الأوضاع في جميع تراب الأرض المصرية، لاسيَّما وأن سيناء تعيش وضعا بالغ التعقيد، ومشكلة الأنفاق بين غزة ومصر مشكلة موجودة ومستمرة، وفي النهاية فإن إسرائيل هي المستفيد الأول والأخير من حالة عدم الاستقرار في مصر، وحتى أمريكا نفسها سوف تكون عاجزة عن مساندة أي من الطرفين، فزيارة وزير الخارجية جون كيري للمنطقة في الشهر الماضي وتصريحات إدارته قبل الزيارة، إنما هو دليل على مخاوفها من تحول الصراع إلى أزمة متفجرة يصعب حلها. أما الوجه الآخر لتصريحات كيسنجر فهو ينبئ عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية مع الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط، ويبرهن على مدى ضعف وتردد سياسة حكومة الرئيس أوباما الخارجية في إدارة الوضع إبان الربيع العربي في مصر. فعلى الحكومة المصرية والعقلاء من الساسة وعامة الشعب أن يعوا جيدا ما قد تؤول إليه الأمور في مصر من مخاطر محتملة الحدوث إذا ما استمرت الخلافات السياسية على هذا النحو، وعليهم أن يتمعنوا في تصريحات هنري كيسنجر حتى لا نصل إلى تلك النهاية المأساوية، لأننا كشعوب عربية نرى في مصر القوة الحقيقية الدافعة لنا، وأننا كلما دار الحديث عن مصر فإنه يدور بخلدنا: وطني حبيبي وطني الأكبر، وطني يا مالك حبك قلبي، وطني يا وطن الشعب العربي.