15 سبتمبر 2025

تسجيل

دعوة عاجلة للوصول إلى نموذج تغيير مختلف

23 مارس 2011

لا يبدو أن الأنظمة العربية القائمة حتى الآن قد أخذت العظة والعبرة مما وقع للأنظمة البائدة، بفعل حراك التغيير الذي تتواصل رياحه بالهبوب على مجمل المنطقة، إلا ما رحم الله، والاستثناء هنا قليل للغاية. الجماهير باختصار تطالب بإصلاحات حقيقية شاملة، وليست شكلية أو هامشية أو دعائية، تريد حقها في الحرية والكرامة واختيار من تريد، والانعتاق من ربقة أجهزة الأمن، وسلطة الأحزاب الحاكمة، كما تريد القضاء على الفساد، وسرقة ثروات البلاد ووضعها في حسابات ذوي السلطان والمحسوبين عليهم، وإقامة دولة عصرية يشارك الجميع في بناء هياكلها ومؤسساتها وصياغة مستقبلها. عندما انطلقت الثورات في تونس ومصر صرحت بعض الأنظمة على لسان رأس هرمها السياسي كسوريا أنها محصنة من عدوى التغيير بحكم التحام شعوبها بمواقفها القومية المساندة للمقاومة والمعادية لإسرائيل وأمريكا والغرب، إلى أن فوجئت بمظاهرات المدن السورية قبل أيام، وفي مقدمتها درعا التي لا تزال الأوضاع فيها متوترة، لأن المواقف الخارجية الحميدة لأي نظام لا ينبغي أن تكون بحال من الأحوال بديلا للاعتراف بحقوق الشعب وحرياته، والاستجابة لتطلعاته وطموحاته المشروعة بغد أفضل. وراوحت التغييرات التي انطلقت من أنظمة هنا وهناك بين الاكتفاء بإصلاحات اجتماعية واقتصادية فقط، أو الحديث عن اصلاحات سياسية محدودة، لايزال بعضها في إطار الوعود المؤجلة. والأخطر من ذلك أنه مقابل التحركات السلمية للشعوب ما زالت لغة العنف والرصاص والغازات بما فيها المحرمة دوليا، والاعتقالات، هو سيدة الموقف في التعامل مع المحتجين والمتظاهرين، مع ما يرتبط بذلك من سقوط ضحايا وإسالة دماء وخلق حالة من الاحتقان والتأزم الشعبي ، والمثال الصارخ لهذا التوجه النظام الليبي. وبسبب السلوك الليبي الدموي الذي اعتمد كل أدوات البطش والقتل، والأسلحة الثقيلة، ووجد للأسف أعوانا من الأنظمة العربية على ذلك، اضطرت الجماهير إلى التحول من المطالبات الاحتجاجية السلمية إلى المقاومة المسلحة، ثم ألجأهم اضطرار على قبول تدخل دولي لفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين، والنتيجة أن القذافي لن يكون بمنأى عن الإزاحة طال الزمن أم قصر، كما تشير إلى ذلك أغلب المؤشرات وحقائق الواقع والتاريخ. نفس السلوك تعمد إليه أنظمة أخرى كاليمن التي قام قناصة قوات أمنها بحصد أرواح المئات في صنعاء وعدن وتعز وغيرها في الأيام القليلة، خاصة مذبحة الجمعة الماضية بالعاصمة اليمنية، ونفس الشيء هو ما تعمد إليه قوات الأمن في درعا السورية الآن، وقبله باعتقال الناشطين السياسيين وشباب المظاهرات، الأمر الذي أدى إلى تأجيج نار الغضب الشعبي، ومنح مزيد من الوقود للمحتجين في البلدين، وأدى إلى انفضاض الوزراء والسفراء وأركان الحزب الحاكم عن الرئيس اليمني بصورة متسارعة، وانحياز مشايخ القبائل والعلماء في اليمن إلى مطالب الشعب بالتغيير، ما يجعل رحيل الرئيس علي عبد الله صالح مسألة وقت ليس إلا، بعد رفض المعارضة لأي حل يقدمة النظام باعتبار أن الزمن تجاوزه. وبتعبير آخر فإن سقوط نظامين حاكمين فعلا ( تونس ، مصر) ، وقرب سقوط نظامين آخرين ( ليبيا واليمن ) على الأرجح، سببه طغيان الظلم والفساد والقمع والديكتاتورية من جهة ، وعدم اقتناعها بالحاجة للتغيير، والاستخفاف بالمعارضة والتعالي عليها ورفض الإصغاء إليها ، ثم التأخر في الاستجابة لمطالب الشارع ومظاهراته السلمية. من المؤكد أن النضال السلمي للشعوب العربية أو الحراك المقاوم لربيع الثورات الحالية ليس غاية وإنما وسيلة ليصل الشارع التائق للتغيير لمطالبه التي هتف لها وشعارته التي رفعها، لذا فإن الرسالة الناصحة الموجهة للأنظمة العربية التي لا تزال أمامها فسحة من الوقت من أجل الإصلاح أن تسارع إليه، حفاظا على المصالح الوطنية للبلاد ووقاية لأنفسها من الرحيل، شريطة أن تكون الإصلاحات جدية وحقيقية وجذرية تلبي آمال الشعوب وتطلعاتهم. لم يعد نافعا أو مقبولا أن تنظر الأنظمة إلى شعوبها بأنها عصية عن التحرك بسبب سكونها لعقود، أوتجاهلها لمطالبهم بالتغيير والإصلاح، أو زيف ادعاءاتهم بأنهم ( الأنظمة) محصّنون ضدها، أو مواجهة النضال السلمي للجماهير بالقمع البوليسي وقبضة الإجراءات الأمنية، والأسلحة، أو التخويف من حرب أهلية أو طائفية بسببها، أو استعدائهم الغرب تحت مبرر التخويف من " القاعدة" وجماعات الإسلام السياسي. إنها دعوة عاجلة جدا بقوة رياح التغيير القائمة، لكي تستمع هذه الأنظمة إلى صوت العقل، ونداءات معارضتها لها للإصلاح، وفتح صفحة جديدة بينها وبين شعوبها، كي تفرز لنا نموذجا جديدا ومختلفا، يصل فيه الطرفان بالتراضي والتعاون إلى التغيير المنشود، بدلا من النتيجة التي تجبرهم كما أجبرت غيرهم على الهرب أو التنحي قسرا أو الدخول في حروب دموية ضد شعوبهم على طريقة الأرض المحروقة.