10 سبتمبر 2025
تسجيلهذا المقال ليس الأول الذى أتناول فيه موضوع مواقع التواصل الإجتماعى وما ينضوى تحت لوائها .. فقد كان لى السبق فى كتابة عدة مقالات تحت عنوان " الفيسبوك " ثم " الفيسبوك .. 2 " وبعد ذلك كتبت المقال الشهير " ليس دفاعا عن الفيسبوك " .. وأخيرا كان مقال " الفيسبوك وزهرة الغاردينيا " تناولت فيه إبداعات الزميل الشاعر حسين حرفوش .. كل ذلك كان خلال السنوات القليلة الماضية .. والفيسبوك هو أشهر روافد هذه المواقع وبالتالى يكاد يكون هو المصدر الأكثر فاعلية للثقافة الإليكترونية .. والمقصود بالثقافة الإليكترونية هنا أنها ثقافة الصورة والحركة والقراءة العابرة وهى ما نجده بصفة أساسية عبر الإنترنت وما يتفرع منه من وسائل التواصل الإجتماعى .. ولعل هذا هو السبب فى أننى إستخدمت كلمة الفيسبوك دون غيرها كعنوان للمقالات السابقة التى ذكرناها آنفا .. ونلاحظ أن ثقافة الإنترنت هذه قد إنتشرت فى المجتمع العربى بشكل غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية وأفسحت المجال أمام الجميع تقريبا " للكلام " أو بالأحرى إبداء الرأى .. وهو ما لم يكن مسموحا به لفئات عديدة من المجتمع .. وكان معظم هذه الفئات تتحدث همسا فى السر بالرغم من أن كلامها فى معظم الأحيان لا يتسبب فى ضرر ملموس للمجتمع .. ولكن إزاء إمكانية إسكاتهم فى أى وقت وما يصاحب ذلك من إجراءات دراماتيكية فقد آثر هؤلاء الهمس .. كان ذلك يحدث فى الماضى .. ولكن ما يحدث الآن ونلمسه جميعا شئ مختلف تماما .. فقد أعطت وسائل التواصل الإجتماعى حق التعبير عن الرأى للجميع .. وصار أبسط الناس يعبر عن رأيه علانية شأنه فى ذلك شأن من يحمل جائزة نوبل . ليس هذا فقط ولكننا نلمس فوائد إيجابية عديدة لعل أهمها بعد إتاحة الفرصة للتعبير عن الرأى لكافة الناس - كما أسلفنا - لعل أبرزها سهولة وسائل التواصل وسرعتها المتناهية .. فقد أصبح التواصل غاية فى السهولة وبتكلفة زهيدة لا تكاد تذكر .. سواء كانت سهولة الإتصال بسبب وجود خدمة الإنترنت نفسها والتى أصبحت فى كل بيت يتساوى فى ذلك أغنى الأغنياء مع أفقر الفقراء .. أما أدوات الإتصال ذاتها فتتراوح بين أجهزة الكمبيوتر الثابتة والمتنقلة والمعروفة ب " اللاب توب " أو " التابلت " وصولا إلى جهاز تليفون فى حجم كف يد الإنسان ينتقل به فى أى مكان فى العالم .. سواء على الأرض أو حتى فى الفضاء عند ركوب الطائرة .. فهل هناك سهولة أكثر من هذا لإرسال أو تلقى ما نشاء .. بل إن الأمر إمتد ليشمل مكالمات صوتية مجانية – غير الكتابة والصورة – على مواقع عديدة مثل " الفايبر " وال " لاين " وال "واتس أب " وال " ماسينجر " .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن معظم هذه المواقع أصبحت تتيح تلك الخدمات بالصوت والصورة معا .. حتى أنك تجلس أينما كنت وترى وتحاور من تريد فى أى مكان فى العالم . أما عن سرعة التواصل فحدث ولا حرج .. فأى إنسان فى أى مكان يمكنه أن يعرف معظم ما يحدث فى العالم فور وقوعه سواء كان ذلك من الأصدقاء والزملاء أو من المواقع الإخبارية التى تمتلك شبكة مراسلين فى كل الدنيا وما على من يرغب فى المتابعة إلا أن يضع علامة الإعجاب " لايك " ليكون كل شئ بين يديه .. ونحن نقول ذلك دون مبالغة لأن الجميع يلمسون ذلك بأنفسهم .. وعن نفسى أنا كاتب هذه السطور فإننى أتواصل مع أصدقاء وزملاء فى قارات العالم الخمس بصفة شخصية أو ما يلزم للعمل الصحفى . ولعل القراء الأعزاء يلاحظون أننى فى الكثير من كتاباتى أحذر من مغبة أن يزيد أى أمر عن حده حتى لا ينقلب إلى ضده .. وهى قاعدة معروفة للجميع ولكن معظمنا ينساها فى غمرة إنفعاله .. وقد يتناساها البعض عامدين ظنا منهم أنهم بعيدون أو بمنأى عن خطر زيادة الحد .. وهذا هو ما نلمسه فى تعاملنا مع وسائل التواصل الإجتماعى وأشهرها - كما أسلفنا - هو الفيسبوك .. فماذا يحدث على الفيسبوك . على هذه الصفحات هناك الكثير ممن يتعمدون خفة الدم ويدونون ما يجعل القارئ يبتسم من تلك الحماقات التى يكتبونها وخاصة هؤلاء الذين يذيلون كتاباتهم بألقاب يطلقونها على أنفسهم مثل المفكر أو المبدع أو الشاعر أو الأديب .. وهناك من يجمع بين عدد من هذه الألقاب أو كلها ويجعلونها تسبق أسماءهم ويطلب منك أن تضع له علامة الإعجاب " لايك " .. وإذا ما إنصرفت عنه تجده فى موقع آخر وكأنه مكلف بمطاردتك .. والأمر العجيب حقا أن يكتب تعليقا على عباراته التى دونها بنفسه ووضع عليها علامة الإعجاب فى موقع سابق ولا يفوته فى تعليقاته أن يشيد بعمق الأفكار وثراء اللغة وعبقرية كاتبها مع أن عبارته لا تخرج عن كونها أحد الأمثال الشعبية المنتشرة أو إحدى الحكم البسيطة مثل السكوت علامة الرضا أو الموت نهاية كل حى .. وهكذا . أما الأكثر عجبا فهو من يقوم بتكوين مجموعة " جروب " وطبعا لابد أن يحمل إسمه .. ويضم إليه من يشاء وقد يكون بعض هؤلاء لا يعرف شيئا عن هذا الجروب .. والمشكلة أنه يصدق نفسه فيسمح بنشر الآراء التى تروق له وتوافقه الرأى والرؤى ويمنع من يخالفه الرأى فى تدوين أفكاره عبر الجروب حتى ينتهى به الأمر إلى أن يظن صاحبنا هذا أن الجروب قد أصبح حزبا وهو رئيس هذا الحزب . وإلى جانب كلا الطرفين تجد بعض من حسنى النية من يصدقون كل ما يبث عبر هذه الوسائل دون تحرى الدقة أو البحث عن إثبات أو دليل على ما يقرأه برغم ما قد يلمسونه من تحامق أو شطط فى الرأى والتى لا يهتم من يوزعها على الناس بتقديم إثبات أو شاهد وقد يكون من بين ما يبثونه نصائح طبية أو وصفات لتقليل الوزن وهو ما تُغرم به السيدات .. وقد يكون من بينها كذلك عبارات أو موضوعات دينية بينها ما هو صحيح وما هو مشبوه تغلب عليه مسحة المبالغة لدغدغة مشاعر البسطاء . أما الأخطر من كل هذا فهو ما يتعمده البعض للتأثير على الرأى العام والتحريض على فكر معين وغالبا ما يكون ذلك من الجانب السياسى وهو ما قد يؤثر سلبا أو إيجابا على مصالح الأفراد والجماهير والأوطان . وفى النهاية نقول أن هذه الوسائط الإليكترونية قد دخلت حياتنا جميعا من أوسع الأبواب وإحتلت مكانة فى حياتنا يصعب تجاهلها وأصبحت جزء من حياتنا .. وبناء عليه نقول أنه لا بأس من ذلك شريطة أن ندقق فيما يصلنا لنفرق بين الغث والسمين خاصة وأنه لا توجد – حتى الآن – قوانين أو تشريعات معمول بها لحماية الناس أو على الأقل مساءلة من يخرج عن الحدود المتعارف عليها فى التعامل بين الناس . ونأمل أن نتمكن من مناقشة أثر مواقع التواصل الإجتماعى على الثقافة .. وسيكون هذا هو موضوع مقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected]