28 أكتوبر 2025
تسجيلفي جملة للفنان الكوميدي عادل إمام في أحد أفلامه القديمة كان يقول: "الساعة بخمسة جنيه والحسابّة بتحسب" ليشرح آلية عمله خلال ساعات الدوام كمتسول في الشارع، هذه الجملة تختصر كثيرا من المشاهد السياسية العربية المبنية منذ عقود على آلية الدعم المالي لبناء علاقات دولية أو تحالفات ذيلية أو صناعة "لوبيات" مؤيدة لطرف أو معارضة لطرف آخر، وهذا بالطبع خارج إطار علاقات الدول العربية التي تتعامل بناء على مصالحها العليا والمهمة والتي تحتم تقديم الدعم لحكومات الدول الفقيرة مباشرة، ولكن فيما يتعلق بلبنان وهي الدولة العربية الوحيدة التي لا يعرف لها أب سياسي شرعي، فإن أي وقوف معها يتطلب نظرة شاملة من جميع النواحي السياسية والفكرية والعقائدية. لبنان الذي مضى عليه أكثر من عام ونصف العام بلا رئيس، بات محط سخرية العالم، ليس لأنها أدنى وأقل قيمة لا قدر الله، بل لأن المتحكمين في مفاصل الدولة وسياساتها ليسوا لبنانيين حقا، وليسوا عربا حتى، فالشعب اللبناني من أجمل وأروع الشعوب العربية وأكثرهم ثقافة ووعيا سياسيا وفكريا، وهم محبون للحياة خارج أسوار الحزبية والطائفية، ولكن الأمور خرجت عن حدود المعقول واللا معقول، ليتحكم حزب الله وإيران ونظام الأسد بالقرار الداخلي فيمنعون ترشيحات النواب ويعطلون دستور البلد ويجيّرون كل القوى لصالح مآربهم، وهذا ما جعل لبنان دولة ضعيفة وسهلة الامتطاء. المناسبة هي تجميد المملكة العربية السعودية للمساعدات المالية والعسكرية التي كان من المفترض تقديمها للجيش اللبناني بمقدار ثلاثة مليارات دولار والمليار الرابع لقوى الأمن الداخلي، وتلك الهبات ليست من باب المنّة أو الرشى أو اللهو الخفي، بل هي سياسة اعتمدتها الشقيقة الأكبر لتحصين الجبهة اللبنانية الوطنية ضد التدخلات الخارجية، وبكل وضوح نفهم أن القيادة السعودية تاريخيا لم تكن ترغب في أن تسقط بيروت بيد أعدائها السياسيين الذين يدينون بدين إيران وسوريا الأسد وإسرائيل من قبلهم، وهذه الخطوة باعتقادي كانت متأخرة لأن الجيش اللبناني والقوى الأمنية لم تقدم أي جهد لحماية الجبهة الداخلية هناك. من وجهة نظر أخرى يرى المشاهد وبكل وضوح مدى سيطرة حزب الله وجيشه الطائفي على الساحة اللبنانية بكاملها باستثناء مناطق السنة في شمال لبنان، ووجود تلك القوة للحزب ليست في صالح الدولة اللبنانية بل هي وبال عليها، فالحزب الذي خرج كالمارد بعد اتفاق الطائف، وعقب تولي حسن نصر الله قيادته، وبعد عملياته التي واجه فيها الحرب الإسرائيلية على الجنوب عام2006 أصبح هو المتحكم في كل ما يتعلق بالشأن اللبناني الداخلي وبسياسات الحكومات اللبنانية مع الخارج، من نافلة القول أن ما يصرح به نصر الله هو ما تفكر به طهران. المشكلة الحقيقية هي في الدول العربية الخليجية تحديدا التي تقدم أو تمنع الدعم للدول العربية أو عنها دون فهم واضح للمعايير والأسس المبنية على استراتيجية مدروسة على المدى البعيد، فلبنان مثلا لم يكن في يوم من الأيام ذا فائدة عسكرية أو أمنية ولا سياسية لأي دولة أخرى، سوى أنه ساحة صراعات سياسية وإعلامية لا تضر ولا تنفع، وحتى الشخصيات السياسية اللبنانية المحسوبين على السعودية أو غيرها، وللأسف نجدهم في أضعف حالاتهم، بينما رجالات إيران ونظام الأسد اللبنانيون هم الأقوى سياسيا وإعلاميا وفكريا وحكوميا. في المقابل للنظر إلى ما قدمته السعودية إلى مصر خلال الخمس سنوات الماضية إضافة إلى ما قدمته الإمارات وقطر أيضا وحسب التقارير الإعلامية فإن الحصيلة المقدرة بلغت أكثر من ثلاثين مليار دولار، مع هذا فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته يرفضون الانصياع للإجماع العربي الذي توحد في مواجهة الغزو الفارسي في سوريا واليمن، ولم يقدموا أي مساعدة تذكر لأي دولة خليجية تذّكّر إيران بأننا متحدون ضد أعدائنا. وبمناسبة الحديث عن المساعدات والمنح للدول العربية" الأقل حظا" فإن المليارات السعودية الثلاثة الممنوعة اليوم عن لبنان سبقتها ثلاثة مليارات دفعت للجيش اللبناني قبل سنتين بوساطة سعد الحريري، فيما يعاني الأردن الذي لم تثنه ظروفه الاقتصادية والعجز في ميزانيته ومديونيته الكارثية عن الوقوف مع أمن وسياسة الأشقاء في دول الخليج وعلى رأسهم السعودية، وهو شريك حقيقي وقوي في كل المواقف التي تخص الإجماع العربي، رغم توقف المساعدات من الأشقاء، ولهذا فإن على إخواننا في الخليج إعادة حساباتهم بناء على دروس التاريخ ومعطيات المستقبل الأمنيّة والسياسية، فلا يكفي التعامل على طريقة هناك رجل لنا في ذلك البلد.