11 سبتمبر 2025

تسجيل

تنبؤات «مسيو عنبه»

23 يناير 2022

في إحدى القنوات الفضائية العربية التي أصبحت كالجراد المنتشر، جلست المذيعة الجميلة التي وضعت جميع أنواع مساحيق التجميل التي عرفتها البشرية على وجهها حتى أصبحت كأنها دمية «باربي» الشهيرة، وجلس أمامها رجل يبدو أنه في أواخر العقد الرابع من العمر وقد لبس بدلة صفراء فاقع لونها كأنه بقرة بني إسرائيل، ولم تكن البدلة التي ارتداها الرجل ملفتة للنظر فحسب وإنما كذلك هيئة الضيف ككل، فقد ربط شعر رأسه من الخلف على شكل «ذيل حصان»، وتختم في كل أصبع من أصابع يده بخاتم اختلف لونه وحجمه عن الآخر، وعلق في رقبته سلسلة صفراء يبدو أنها من الذهب أو ما يشبهه. وبدأت المذيعة الملونة والمبهرجة بتقديم الضيف بأسلوب فيه الكثير من التغنج والتصنع فقالت بلهجة شامية «اهلن ومرحبا فيكو في لقاء حلئة الليلي (حلقة الليلة) مع عالم الفلك وخبير الأبراج المسيو (أي السيد) جوزيف عنبه، مسا الخير مسيو «عنبه» في حلئت الليلي». تبسم الضيف ورد بكل أدب ولباقة «أهلين فيكي وبكل المشاهدين اللي عم يتابعوا حلئة الليلي»، قالت المذيعة «مسيو عنبه بما أنك خبير في علم التنبؤات ممكن تعطينا فكرة عن توئعاتك (توقعاتك) بما يخص الدول العربية بالعام الجديد»، أجاب العالم العلامة وبحر الفهم والفهامة فقال «بصراحة سنة 2022 ما اكتير سعيدة لبعض الدول العربية لأنو (لأنه) برج الثور ئريب كتير (قريب جدا) من مدار الجدي وهيدا الشي (وهذا الأمر) رح يسبب مشاكل وكوارس (كوارث) في بعض البلدان العربية»، تجاوبت المذيعة مع تحليل المسيو عنبه فقالت له «ممكن توزح (توضح) للسادة المشاهدين أكتر»، فأجاب المسيو «أكيد ولو (طبعا بالتأكيد) يعني مسلن (مثلاً) فيه دولة عربية مواطنيها عم بينتزرو (ينتظرون) زيادة مالية من فترة، وحسب مابشوف في الأبراج ماراح يشوفوا هل الزيادة عن ئريب والسبب انه في ناس منهم عم بيعئدو (يعقدون) الموضوع»، قالت المذيعة «ممكن تحدد أي دولة؟» رد الخبير الفلكي «لا ما فيا لأنو (لا أستطيع لأنه) ممكن يسبب هل الأمر تحسس لكن ممكن ابشرهم بأنهم ما راح ياكلوا ولا يشربوا أي شي مستورد كله راح يكون محلي ليما (حتى) يتعودوا على المحلي». تابع الخبير الفلكي الحديث عن توقعاته وتنبؤاته فقال «فيه مسؤول كبير بشركة طيران عالمية راح ينشال من منصبه وهيدا الشي راح يسبب سعادة وفرح كبير للناس اللي في هيدا البلد وممكن يرئصوا ليوا (يرقصون رقصة شعبية)». وتابع المسيو عنبه حديثه فقال «بالنسبة لفايروس كورونا راح يستمر وراح يجبروا الناس على انهم ياخدوا تطعيم كل شهرين او تلاته (ثلاثة)»، قاطعت المذيعة الشمطاء ضيفها فقالت «طيب مسيو يعني ما راح يكون فيه انفراجة من الكورونا» أجاب الخبير الفلكي بكل ثقة «طبعا راح يكون هناك انفراجة على آخر السنة يعني بعد شهر تشرين الأول ولحد آخر كانون الأول راح تخف الإصابات إعلاميا فقط»، قاطعت المذيعة الضيف «شو بتئصد (ماذا تعني) تخف الإصابات إعلاميا مسيو»، فأجاب الضيف «بئصد انه الاعلام راح يصور النا (يصور لنا) انه الإصابات خفت كتير وما عاد فيه خوف من انتشاره، وهيدا علشان فيه فعالية عالمية بدهون (يريدون) يعملوها ويخلصوا منها وراح يصوروا للناس ان كل شي على ما يرام»، تابعت المذيعة تساؤلاتها فقالت «ممكن توضح للسادة المشاهدين أكتر عن هل الفعالية ووين راح تقام» أجاب الضيف «بعتزر ما بئدر (أعتذر لا أستطيع) لأنو الأبراج ماكتير بتعطينا تفاصيل في هيدا الموضوع، ولكن هل الفعالية راح تنجح كتير بس بعدها راح يرجع الكورونا ينتشر إعلاميا». مضت أكثر من ساعة والخبير الفلكي لا يزال يتحدث ويتنبأ ويتوقع بما سيحدث في عام 2022 حول العالم، فتنبؤاته شملت المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وغيرها، وفي نهاية الحلقة شكرت المذيعة «المسيو عنبه» وأنهت اللقاء. وختاما أقول: للأسف أصبحت التفاهة علامة بارزة في المحتوى الذي تقدمه بعض القنوات المحسوبة على إعلامنا العربي من المحيط إلى الخليج، وباتت هذه القنوات تتسابق في استضافة التافهين وتقريبهم وإبعاد أهل الفكر والثقافة من الساحة الإعلامية. ومن ناحية أخرى نرى مشاهدات ومتابعات التافهين تبلغ أرقاما قياسية في مواقع التواصل الاجتماعي تتعدى ما يتابعه المواطن العربي لمحاضرة دينية أو أدبية، فقد أصبح الاهتمام بأمور التافهين ومتابعة مجريات حياتهم الاجتماعية وما يختلقونه من أحداث لزيادة عدد المشاهدات وإكثار عدد المتابعين أهم من القضايا الحيوية التي تهم المجتمع والوطن. وباعتقادي أن هذا الأمر ليس بمحض الصدفة وإنما هي خطة تم إعدادها لتخدير عقل المواطن العربي وتغييبه عن أولوياته، ومن ثم توجيهه نحو الاهتمام بسفاسف الأمور وتوافهها والابتعاد عن القضايا الرئيسية للأمتين العربية والإسلامية، حتى يصبح من السهل التحكم بأمة فقدت مبادئها وقيمها وهويتها. @drAliAlnaimi